من الكتب التي قرأتها هذه السنة كتاب لصاحب المبدأ الذي سُمِّي على اسمه، وهو المكيافيللية، أو بمعنى آخر «الغاية تبرر الوسيلة»، هو نيقولو مكيافيللي، وهو كتاب صغير الحجم لم يتجاوز المئة صفحة، ولكنه مليء بكثير من العبر والدروس، ولعلي أكتب عنها يوما من الأيام، «فالسعيد من وعظ بغيره، والتعيس من وعظ بنفسه»، كما قال الفضيل بن عياض.
وأنقل لكم اليوم مقطعا أعجبني، يبين فيه مكيافيللي خبرته ومعرفته الدقيقة بنوازع النفس البشرية ودوافعها، وكيفية تصرفها أمام الأحداث، فيقول: «إن الأطماع البشرية تجعل الإنسان يطئ بقدميه كل ما هو مقدس في حياته... تجعله يقتل... يسرق... ينهب... يغتصب أرضا... أو نفسا. كل ذلك في سبيل أن يصل إلى ما يصبو إليه... ويحقق أهدافه الدنيئة».
ثم ضرب مكيافيللي بعد ذلك أمثلة من التاريخ، وكيف أن بعضهم وصل إلى ما خطط له، وحقق مبتغاه الذي يريد، حتى طبّقت شهرته الآفاق، ولكن التاريخ لم يخلِّده، وبقي في طي النسيان، لأنه تخلى عن المبادئ والأخلاق والقيم التي تعتبر أبسط مقومات الإنسانية. مثل تلك النماذج موجودة في كل زمان ومكان، فكما كانت قبل زمان مكيافيللي، فاستفاد منها عبرا ودروسا، فيجب علينا أن نستفيد ممن سبقنا، وأن نتعلم من سقطات غيرنا وأخطائهم، وليس علينا اختراع العجلة في كل أمر، وتلكم النماذج موجودة في زماننا، وبصورة أكثر وقاحة، وخصوصا في عصر الانفجار المعلوماتي والمعرفي، والغزو الفضائي الإعلامي.
تلفت حولك... تجد الكثيرين من هذه الشاكلة، تجد فيهم الذكاء والجرأة والشجاعة وحب المخاطرة والمغامرة، ولكنها للأسف! صفات منزوعة الدسم، منزوعة الأخلاق والمبادئ والقيم، فهم يسيرون على خط متعرج، ولذا تراهم يضحكون في وجهك، لكنهم يطعنونك من الخلف، وببلادة ليس لها مثيل، دون حس أو ضمير، تجدهم يتقربون إليك ويدّعون حبك والحرص عليك، وفي الوقت ذاته يمدون أيديهم لخصومك وشانئيك.
السياسيون من أكثر الأمثلة وضوحا على هذا النهج، ففيهم يكثر المتقلبون والمتلونون والمخادعون، وكذا الطامعون لخوض غمار السياسة، فهي أوحال قذرة يصعب اجتيازها، والموفق من وفقه الله، فكان ظاهره كباطنه، لا اختلاف بينهما.
بقي أن نضيف على مكيافيللي صفة نسي أن يرفقها بمجموعة الصفات التي أوردها في النص المنقول أعلاه، وهي الكذب، فالكثير رفع لافتة الصدق شعارا في حياته، ومارس خلافه في واقعه، اكذب... اكذب... اكذب... يصدقك الناس، أو على الأقل بعض الناس.
د.عبداللطيف الصريخ
[email protected]