المأمول من تطبيق دولة المؤسسات والحريّات هو منتوجات وطنية تخلق مشاريع تنموية بقصد رقي الشعب والوطن. فمن أهمها لدينا هي المؤسسة التشريعية والرقابية. وعلى الرغم من أن الممارسات البرلمانية تأخذ طابعاً حاداً يندرج ضمن الشق الرقابي، إلاّ أن ذلك يعتبر مباحاً بل وحميداً في سبيل بلوغ الهدف الأعم والأسمى وهو كما قلناه من تنمية وتطوير مأمول للبلد.
أمّا واقعنا الحالي، خصوصاً ما تلمسناه اخيراً من تهوّر أرعن في الشأن السياسي يعتبر انحرافاً للسلوك في العمل البرلماني، وهذا الانحراف أخذ مأخذاً عظيماً من الأداء العام لتلك المؤسسة. والمحزن أن أحد أهم نتائج هذا الانحراف على المستوى الشعبي هو تعطيل التنمية والازدهار. أمّا الأثر السلبي على المؤسسة ذاتها فهو الأكبر والأعظم لأن المجلس فقد بريقه وبالتبعية فقدت الأدوات البرلمانية فخامتها وقوتها من جراء الاستعمال المفرط والبعيد جداً عن الرصانة والحصافة السياسية.
لقاء سمو أمير البلاد حفظه الله ورعاه الأخير مع رؤساء التحرير يدخل ضمن إنقاذ ما يمكن إنقاذه في الشقين اللذين ذكرناهما. ففي الشق الشعبي، أشار سموه إلى ضرورة رأب الصدع من خلال الممارسات الحضارية في الشأن العام والابتعاد عن المساعدة في تأجيج الشارع واستعمال لغة التحريض والتعبئة الشعبية داخلياً، وأيضاً الشكاية على البلد لدى وسائل الإعلام الخارجية. أمّا رؤية سمو الأمير في إنقاذ المؤسسة الدستورية (مجلس الأمة) فكانت ان سموه أشار إلى حرية من يريد المساءلة واستخدام الأدوات الدستورية ولكن تحت قبة المؤسسة وليس في مكان آخر. وفي هذه لفتة واضحة أن العمل السياسي يجب أن يكون صافياً سياسياً وخالياً من أي شحناء وبغضاء شاهدنا معالمها بدرجة كبيرة في الآونة الأخيرة.
توجيهات سمو الأمير الأخيرة لرؤساء الصحف كانت بمثابة إغلاق كل الأبواب على كل الفئات (وليس إغلاق الباب على كل فئة)، وفي هذا رعاية واضحة من سموه للدستور والقانون وإنهما يجب أن يكونا المرجعية الموضوعية لكل المتخاصمين. فالممارسة الراقية مع تلك النصوص تتجلى في أماكن استعمالهما والنأي عن استقدام مؤثرات دخيلة على الثقافة الدستورية. فمن كان يخاف من تعليق الدستور اطمئن بعد هذا الكلام، ومن خشي من حل دستوري أو غير الدستوري اطمئن أيضاً، وكذلك فإن سمو الأمير أشار الى جزئية الاستقرار السياسي وانه فرض عين على الجميع حينما صرّح بأن المجلس باق وسيكمل مدته وان مجلس الوزراء أيضاً باق بشخوصه.
ومن جهتي كمراقب، أعتقد أن عقد المتجمهرين على استجواب سمو رئيس الوزراء والمقصود بشخصه في كل مرّة، هذا التجمهر سوف ينفرط تدريجياً لسببين مترابطين. الأول: ناتج عن ضجر الناس من مفاعيل التأزيم والتعطيل المتعمد لمشاريع التنمية المرجوة من هذا المجلس، والسبب الثاني: لأن جمهور الاستجواب (وليس النوّاب) سوف يلتفون حوّل توجيهات سمو الأمير ومضامين رسالته الأخير ومقاصد كلامه، وبالتالي فإن الحماسة الشعبية لتبني هذا الاستجواب التأزيمي سوف يضمحل تدريجياً.
حينما نقرأ ان سمو الأمير يذكرنا بأنه هو القائد العام لكل القوات المسلحة، فهذا الموقع المشار إليه يدل أنه يطلب ما يريد بصفة دستورية تنفيذية بحتة وليس بصفته أبا السلطات. وهذه إشارة إضافية على أن سموه مؤمن بالديموقراطية والدولة الدستورية والمؤسسة إلى أبعد مدى.
سأعيد تلاوة عنوان المقال عليكم... لننصرف إلى التنمية و«بلاش تأزيم».
عبدالله زمان
كاتب كويتي
[email protected]