أطل علينا الرئيس الأميركي جورج بوش الابن بكتابه «نقاط القرار» الذي من المفترض أن يحتوي بين طياته مذكراته حول الظروف التي دفعته لاتخاذ قراره التاريخي باجتياح العراق وقلب نظام الحكم فيه، والقضاء على رئيسه آنذاك صدام حسين، ولأنه الرئيس الأميركي الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الولايات الأميركية، والأكثر عدوانية تجاه العرب والمسلمين، أبى إلا أن يستفز العرب مجدداً بتلميحاته حول دور الرئيس المصري حسني مبارك في اتخاذه لهذا القرار والذي، حسب ما جاء في الكتاب، «قد أعلم الولايات المتحدة أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل».
وسواء كان هذا الادعاء حقيقياً أم من محض خيال وأكاذيب بوش المشهور بها، إلا أن طرحه هذا يثير تساؤلات وعلامات استفهام عدة من المهم الإجابة عنها إجلاء للحقيقة، وتوضيحاً لما يجري وراء الكواليس في مسارح السياسة الدولية.
فإذا افترضنا سوء النية، وأخذنا هذا الادعاء على محمل الجد بأن الرئيس المصري قد أعلم الولايات المتحدة فعلاً بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وأنه قد يستخدم أسلحته البيولوجية ضد القوات الأميركية، فهذا يعني أنه كان يحرض الولايات المتحدة بشكل مباشر على شن تلك الحرب على العراق، وأن الرئيس الأميركي الهمام قد استلهم قراره الفذ في بدء الحرب من تشجيع الرئيس المصري المبارك ودعمه المعنوي له، وهذا يدفعنا للتدقيق في نقطتين غاية في الأهمية...
أولاهما أنه كانت هناك ضرورة ملحة ومصلحة قوية للرئيس المصري لإزاحة صدام حسين عن حكم العراق حتى وإن كان بالتدخل العسكري الخارجي، فما هي هذه المصلحة التي تدفع رئيس أهم وأقوى دولة عربية لحث دولة عظمى ذات قدرة عسكرية هائلة للإطاحة برئيس عربي آخر، بغض النظر عن سياسته، وإطاحة دولة عريقة معه مثل العراق، وهل تحققت هذه المصلحة من القضاء على الديكتاتور صدام حسين ومعه الآلاف من الشعب العراقي الذي لا ذنب له سوى أن حظه العاثر وضع في طريقه أمثال هذا الصدام، وهل كانت مكاسب مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتناسب مع الخسائر التي مني بها العراق ومعه العرب جميعاً حيث أعادتهم هذه الحرب خمسين عاماً على الأقل إلى الوراء؟ والنقطة الثانية تتعلق بمصداقية الولايات المتحدة في ما ساقته من تبريرات وأسباب لشنها هذه الحرب على العراق، فأين تلك المعلومات الاستخباراتية التي كانت تتبجح بها والتي تؤكد وجود أسلحة الدمار الشامل (السبب المباشر للحرب) وهل يعقل لدولة عظمى أن تستند في اتخاذها لقرار خطير كالحرب على ما قد يوصله إليها أحد ما حتى ولو كان رئيس دولة.
أما إذا لم يكن هذا الادعاء صحيحاً، وهو ما تؤكده مصر بانكارها التام لأي تدخل للرئيس المصري في هذا القرار، فأي جرأة يمتلكها هذا البوش ليرمي رئيس دولة له ثقله في عالم السياسة مثل حسني مبارك بمثل هذا الادعاء الذي قد يثير الكثير من المشاكل الإقليمية في المنطقة العربية التي لم تندمل بعد جراحها من شظايا الحرب التي طالتها، بل أي وقاحة سياسية وعنجهية استفزازية تلك التي وصلت به ليستخف بعقول العرب وعواطفهم فيسوق بأكاذيبه أفكاراً خطيرة وكأنه يريد القول لهم بان تلك الحرب كانت لها دوافع خفية، وماذا يريد بوش بعد سبعة أعوام عجاف مرت على الشعب العربي بعد حرب العراق التي أثرت على جميع جوانب حياته والذي رغم استيائه من سياسة صدام وزبانيته، ورغبة الشعب العراقي في الخلاص منه، إلا أن تداعيات ما بعد الحرب من استمرار الاحتلال الأميركي وتورطه بفضائح سياسية عدة أثارت عنده روح التعاطف مع هذا الشعب المطحون.
هل يريد بوش إحراج الرئيس المصري أمام الشعب العربي والشعب المصري بشكل خاص، وأن يدق (اسفين) جديدا في نعش العلاقات المتوترة أبدا بين الحاكم والمحكوم في الأنظمة العربية، أم أنه يريد أن يحرج الرئيس أوباما الذي يسعى لوصل ما قطعه بوش بعلاقته المتميزة مع العالم العربي بشكل عام ومصر بشكل خاص، وأن يوتر العلاقات المصرية - الأميركية التي انتعشت بعد تسلم أوباما وزيارته لمصر التي تجاهلت الرئيس السابق بوش تماماً في فترة حكمه، ولم يقم الرئيس المصري بأي زيارة لأميركا خلالها استياء من سياسته تجاه العراق (حسب المصادر المصرية).
التساؤلات كثيرة حول الدوافع التي تقف وراء ما ادعاه بوش في كتابه المريب، والذي كثر الجدل حول أهميته وقيمته ككتاب، ومهما كانت هذه الدوافع وعلامات الاستفهام فإن الإجابات عنها ستكون حتما من خلال ما ستتعرض له العلاقات المصرية - الأميركية مستقبلاً من مد وجزر.
مها بدر الدين
كاتبة سورية
[email protected]