ضاد / الأدب ماهيته وقيمته! (1)

1 يناير 1970 03:24 م
| أحمد بن نزال بن بحار |

الأدب جمالية القول المعبرة عن خصوصية ما في العاطفة والفكر والخيال... والرفيع منه ينتج عنه قبول حسن عند متلقيه.

ما سلف تقريب وتيسير لبعيد غامض- هو الأدب- بسبب غموض الإنسان ذاته: روحا وقلبا وفكرا وخيالا، هذا من وجه، ومن وجه آخر لسر دفين في اللغة نفسها: نشأتها، وسعتها، ودقتها... من أجل ذلك كان تعريف الأدب تعريفا جامعا مانعا مطلبا عسيرا أعيى الأوائل دركه، وكبا دون حده جهابذة النقد المعاصرون حتى بلغ الأمر بـ جان بول سارتر أن أفرد كتابا طغى فيه الجواب على عنوان كتابه «ما الأدب؟».

وقد زعم غير واحد من كبار النقاد المعاصرين أن مناهجنا الدراسية والثقافية لاحظ الإطلاق والتعميم مفهومها عن الأدب ضيق وسطحي، بينما ترى الغربيين « كما يزعم» يعرفون الأدب بتعريف أوسع وأعم.

وهذا لعمر الله جور من بعض النقاد العرب، كيف يقارن بين نقد كتبه سلفنا منذ قرون عدة، وبين النقد المعاصر الذي توفر لأعلامه ما لم يتوافر لمن كان قبلهم من تلاقح المعرفة، وتطور البحث العلمي، وتيسر الإمكانات.

ولعلنا نورد شيئا مما جاء في كتب علماء أمتنا عن ماهية الأدب، من ذلك اقتفاؤهم أثر هذا اللفظ من مهده حتى شب عن الطوق وأصبح طائرا عز تصيده بشرك النقد الحديث.

هذا وقد لوحظ أن الأدب في العصر الجاهلي يدور حول عدة معان، منها:

الخلق الحسن، والطبع القويم، والمعاملة الكريمة للناس؛ يشهد لهذا قول طرفة بن العبد البكري:

نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الأدب فينا ينتقر

فصارت الدعوة إلى الفضائل والترغيب فيها، والنهي عن الرذائل وتحاميها من صميم الأدب عند العرب في الجاهلية، فهي فعال قبل أن تكون أقوالا.

ثم عرف الأدب في صدر الإسلام بمعنى الثقافة والتعليم إضافة إلى التهذيب الخلقي، من ذلك ما رُوِي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال «إن هذا القرآن مأدبة الله فخذوا مأدبته»، رواه الدارمي، وقوله «ما نَحَل والدٌ ولده أفضل من أدب حسن»، رواه الترمذي وأحمد، وقوله «لَأَنْ يؤدب الرجلُ ولده خير من أن يتصدق بصاع» رواه الترمذي وأحمد.

وظل معنى التهذيب والتثقيف مفهوماً من كلمة الأدب في العصر الأموي، بيد أنه قد تخصص عمومه قليلا حتى كاد يكون علما على رواية الشعر والأخبار، ولعل هذا التخصيص نتج بسبب ما لهذين الفنين أعني- الشعر والأخبار- من أثر بالغ في التهذيب والتثقيف، ومن ذلك قول عبد الملك بن مروان لمؤدب ولده: «علمهم الشعر ينجدوا ويمجدوا».

«الشعر والأخبار علوم اللغة وما تعلق بها؛ فلما استقلت العلوم واحداً واحداً ضاق معنى الأدب وانحصر؛ فاقتصر على الشعر وما يتصل به أو يفسره، وأُضيف إليه النثر الفني والخطابة الرائعة وما يتصل بهما من تفسير للغريب أو شرح للمعاني.

هذا وقد تمايزت العلوم فاستقلت بشكل واضح في القرنين الرابع والخامس، ثم أصبح الأدب يكاد ينحصر في الشعر والنثر كما هو الشأن في هذا العصر.»* ولكن هناك غير قليل منا يحسبون أن الأدب يقوم على الحرية المطلقة حتى الإسفاف، وتعمية المعنى حتى الهذيان، وحبذا الجراءة على مسلمات الدين الإسلامي على وجه الخصوص حتى قال الذي تولى كبره منهم: كيف نبدع ونحن محكومون بالقالب الأدبي للقصيدة العامودية، والمضمون الإسلامي؟! فهو يدعو الأدباء إلى تحطيم هذين القيدين ليحلقوا في سماوات الإبداع بزعمه. فانظر- رحمني الله وإياك - بعد ما بين مفهوم الأدب السالف ذكره ومفهومه عند الجاهليين!

وستكون لنا إن شاء الله وقفة مع مفهوم الشعر والنثر من بعد ذكر نبذة عن قيمة الأدب وأهميته للفرد والمجتمع في المقال المقبل بإذن الله.



• وقفت على مذكرة الأدب والبلاغة في جامعة الإمام محمد بن سعود، فألفيتها نافعة، وما بين علامتي التنصيص منها.