لا يخفى عليك عزيزي القارئ أن انجازات الإنسان في مجالات شتى، كانت نتيجة ومغبة إعمال عقله وفكره في تلبية حاجاته ورغباته، ومن ثم صَنع وابتكر وطور ما يلزمه في مسيرة حياته.
إن ملاحظات ورؤى الشخص المتكررة وتجاربه المتراكمة وخبراته وتدريباته المكتسبة، مستخدماً في هذا كله طاقاته وقدراته العضلية والفكرية والذهنية في تطوير وتوسيع وإكثار مجالات نشاطه، هي التي توصله إلى صور وأشكال وهيئات عدة في مجال الإنتاج والتوليد والإبداع والابتكار والاكتشاف في شتى مناحي الحياة، وتشكل له الدافع والباعث إلى المزيد من الإنتاج والابتكار والتطوير والتحسين.
ولهذا ثار جدل عال على المستوى العالمي حول مسألة تنظيم وترتيب الحقوق الفكرية وحمايتها ورعايتها قانوناً، وقد برز في هذا الصدد رأيان رئيسان الأول: نادى بضرورة تنظيم الحقوق الفكرية وحمايتها. والثاني: نادى بمعارضة تنظيم الحقوق الفكرية وعدم حمايتها.
وقبل أن نؤيد أو نعارض أحد الرأيين الذي برز على المستوى العالمي إزاء الجدل الذي أثير بشأن حقوق الملكية الفكرية لا بد من معرفة ما هي الملكية الفكرية: هو مصطلح قانوني يدل على ما ينتجه ويتأتى به العقل البشري من أفكار محددة، تتم ترجمتها إلى أشياء ملموسة. فتدخل في نطاقها الحقوق كافة الناتجة والمنبثقة والمتأتية من النشاط الفكري للإنسان في الحقول الفنية والأدبية والعلمية والصناعية والتجارية وغيرها.
فالحقوق الفكرية تتسع لتشمل كل ما يجود ويحسن به عقل الإنسان، من خلال ما يتحلى ويتجمل به من مَلكة فكرية وقريحة ذهنية. وحقل الحقوق الفكرية واسع جداً يشمل براءات الاختراع، والنماذج الصناعية والرسوم الصناعية والعلامات التجارية والأسماء التجارية والعناوين التجارية، والتأليف في صوره المتعددة وما أشبه ذلك. وتدخل في نطاق الحقوق الفكرية أصناف وألوان الإبداع الفكري الأصيل في المجالات العلمية والفنية والأدبية المتأتية والناتجة من وحي وإلهام العقل. لأن رحم وحدب الحقوق الفكرية هو عقل الإنسان الذي يقذف ويرمِي بها إلى الوجود بصورة وهيئة أفكار متى ما تمت حمايتها ورعايتها تنشئ لصحابها حقوقا ملكية في ظل وكنف الأنظمة والقوانين الدولية، فالفكرة دائماً وأزلاً تلتصق بصاحبها وحائزها ولا تنفصم وتنفك عنه، والفكرة لا تكون كذلك إلا إذا نتج وترتب عنها ثمرة وفائدة حَوت على قدر معين من الجدة والحداثة والابتكار والإبداع، سواء جاء نتاجها على هيئة اختراع، أو ابتداع، أو اكتشاف، أو كتاب، أو شعر، أو رسم، أو أداء، أو... غير ذلك.
لذلك كان لا بد من تنظيم الحقوق الملكية الفكرية وحمايتها ورعايتها، وتوعية أفراد المجتمع وإدراكهم بأهمية حماية ورعاية الحقوق الملكية للدفاع عن حقوقهم الفكرية المتأتية والمتولدة من أوعية الأذهان والعقول بصورة أفكار ومفاهيم، والتي هي من صنع وإنتاج مصانع فكر وخاطر الإنسان، وذلك لأسباب عدة منها: تشجيع المنافسة المشروعة ومنع المنافسة غير المشروعة، منع سائر ضروب وأنماط وأنساق الغش، محاربة التقليد والتزوير، تشجيع وتحفيز الابتكار والإبداع وصنع المعرفة، تحفيز وحث الأمة إلى الأخذ بأسباب ودواعي التطور والتقدم والازدهار عن طريق منهج الابتكار والاختراع لا عن طريق أساليب التقليد، الوصول إلى التكنولوجيا والتقنيات المتقدمة بدلاً من العيش على التكنولوجيا والتقنيات المتقادمة. وقد أصبح الآن تحديد قوة الدولة يعول ويعتمد على مقدار ما تملكه من الحقوق الفكرية، لذا بات واجباً علينا الاستناد على قاعدة استراتيجية متماسكة متكاملة مستندة على الأسس العلمية والتقنية النابعة من القوانين حتى نحمي ونحافظ على عبقرية الإنسان لضمان حقوقه الملكية الفكرية.
منى فهد الوهيب
[email protected]