د. محمد القزويني / ما أكثر التهم وأقل الصدق

1 يناير 1970 05:26 م
أجرت إحدى القنوات مقابلة مع الشخصية المعروفة السيد يوسف الرفاعي زعيم الطريقة الرفاعية الصوفية في الكويت، واحتوت المقابلة عرض آراء بعض الفاعلين في الساحة الكويتية، ثم تعليق السيد الرفاعي عليها، ولست بصدد التطرق إلى ما جاء في تلك المقابلة لكني أريد أن أتناول أحد الأبعاد التي برزت في هذه المقابلة الشيقة وطالت السيد يوسف بنفسه. فلقد بدا جلياً سهولة كيل تهم الكفر والبدع والبعد عن الإسلام للأفراد والمبادئ والآراء، حتى وإن أنكر أصحاب أو أتباع تلك الأفكار والمذاهب التهم الموجهة إليهم و طالبوا بالدليل على وجود علامات الكفر أو مظاهر البدع في ما يعتقدون. وكثيراً ما تكون تلك الاتهامات مبنية على السماع أو الاعتماد على مصادر لم تعتمد الحقيقة ولم تقم على البينة. فالسماع آفة العلم والحقيقة لدرجة ان القرآن الكريم حذر منه بصراحة ما بعدها وضوح كما أن كثيراً من الفتن التي عصفت بالمجتمع الكويتي اخيرا كانت مبنية على السماع غير المفيد للعلم والناقص أيضاً كما صرح مرات قادة التبرم والاحتجاج بانهم لا يعرفون تفاصيل ما يسمونه بالفتنة، أو لماذ اشتعل الاستنكار لكنهم بنوا موقفهم على ورود كلمة لم تعجبهم في ما قيل ونقل إليهم فاندفعوا في حماسهم، وانضموا إلى جموع المحتجين بمعرفة ناقصة ودون دراية تامة بما حدث ليصدق عليهم القول «مع الخيل يا شقرا»هادفين تسجيل موقف ليس إلا وركوب الموجة لا أكثر ولا أقل. وعلى المنوال نفسه وبالقدر نفسه يكون انتقاد المبادئ والأفكار واتهامها بالكفر فإن البعض يعتمد على ما يقوله مشايخهم دون التحري عن صحة ما قيل أولاً، ودون التأكد من دقة الفهم لما هو مزعوم ثانياً، ثم ينتقل هذا الفهم المعوج القاصر من شخص إلى آخر اعتماداً على الثقة بالشخص القائل أولاً وأخيراً. إذاً فالمناط والمدار في الانكار والاستنكار وإحداث زوبعة وإقامة الدنيا وتعكير صفو الأمن والوئام بين ابناء المجتمع غالباً هو ما يسمعه المحتجون لا ما يعرفونه، وشتان ما بين ما يسمعه الفرد (إن وصل من غير تحريف) وبين ما يعرفه، فقد قيل قديماً ان الفرق بين الحق والباطل أربعة أصابع في إشارة بليغة إلى ما تلتقطه الاذن من معارف متداخلة مشوشة لا تصلح لتكون مباني لمعرفة موثوقة، في حين تشكل الرؤية احد مصادر المعرفة الرصينة. ومن ناحية اخرى فالحكم على المبادئ والأفكار اعتماداً على المراجع والمصادر تتم عادة باللجوء إلى مؤلفات كتبها الخصوم المهاجمون لا من واقع ما روته كتب المذاهب أو المبادئ موضع الهجوم أو النقد فتكون النتيجة إشاعة فهم خاطئ مغلوط عن تلك الآراء لا يجدي معه نفعاً جهود أصحاب المبادئ المنتقدة والمطعون عليها لتوضيح الفكرة الأساسية لمذاهبهم وإزالة سوء الفهم الذين علق بمبدئهم أو مذهبهم نتيجة ذلك التشويه المقصود خاصة عندما يكون ذاك في وسط اتخذ موقفاً مسبقاً وأغلق أذنيه عن سماع الحقائق اعتماداً على ماغذاه به أشياخه أو من يثق به.

هذه آفة الفكر لدينا، والمؤسف حقاً أن أغلبية من يقوم بذلك المتدينون الذي يفترض فيهم ألا يصدروا أحكامهم قبل استماع حجة الخصم والذين هم أولى الناس بالتزام ما وصاهم القرآن الحكيم بالتثبت قبل الاتهام، لكن ما يحصل هو أن غالبية متدينينا اليوم مسيسون وموجهون لا يريدون أن يفتحوا نقاشاً مع أحد، وهم إن فتحوه فإنما لينقلوا فكرتهم فقط فإن لم يقتنع بها الشخص المقصود وصموه بالتخلف وحب الباطل واتباع الهوى وحتى الكفر، أما ما لديه من آراء وأفكار فلا يريدون أن يسمعوها بل ويخشون مناقشتها إما خوفاً من أن يغلبهم أو لجهلهم.

لقد عانى المسلمون أشد المعاناة وزادت فرقتهم بسبب تلك المواقف المسبقة بسبب تلك الاتهامات التي لم تستند على دليل. وإني لأتمنى على السيد الجليل يوسف الرفاعي وهو يشتكي بمرارة من ذلك النهج الذي شوه طريقته الرفاعية أن يقوم بمحاولة فعالة لإيقاف وصم المبادئ بالكفر والضلال حينما لا تجد هوى لدى البعض فهو خير من يتصدى لذلك.



د. محمد القزويني

[email protected]