إن اللغة هي مرآة العقل والقلب، ولهذا كان سقراط يقول «تكلم حتى أراك»، وكانت العرب تقول «تكلموا تعرفوا»، واللغة هي الأداة الأساسية والرئيسية للتعبير والإبداع عما نريد التعبير عنه. اللغة فضاء واسع ومملوء بالرموز والمعاني والدلالات، وسوف نجد أنفسنا تائهين فيه ما لم نحاول تحسين وإتقان مستوى استخدامنا للغة بجدية ومثابرة ومواظبة على مستوى التعبير وعلى مستوى الفهم والتفسير والإيضاح.
تعتبر اللغة وسيلة من وسائل تخزين الأفكار والمفاهيم والمعلومات، ووسيلة لاسترجاعها من الذاكرة أيضاً. إننا حين نودع ذاكرتنا ما امتلكناه من معانٍ نودعه مجسّداً في كلمات وجمل وتعبيرات وقصائد وأمثال وحكم. وكلما وُفّقنا لصياغة أفكارنا في تعبيرات جميلة ورصينة ومبدعة كان اختزاننا لها واسترجاعنا إياها يتم بطريقة أسهل وأبسط. ومن وجه آخر فإن منطقية الأفكار وترابطها يجعل استدعاءها من الذاكرة أيسر وأسهل. اللغة أداة لصنع الأفكار، مع أن الفكرة تتمتع بدرجة من الاستقلال والتحرير النسبي عن اللغة، وذلك حين تكون الفكرة في طور التخمر والتكوّن الأوَّلي. وهذا بسبب ما حبانا الله من نعمة الخيال الذي يحرك القوى الذهنية نحو فهم واستشفاف المدرَكات والراشدات المختلفة، علماً بأن الأفكار في مرحلة التخمر وهي المرحلة الأولى تكون جنينية غير واضحة الملامح وجلية الخصائص. كما يقول دي سوسير: عبارة عن كتلة من الضباب لا شيء فيها يبدو متميزاً.
وقد أثبت علم نفس الطفل أن الأطفال يتعلمون التفكير في الوقت الذي يتعلمون فيه اللغة، إن الطفل في أشهره الأولى يرى العالم من حوله لكنه لا يبصر شيئاً، وحين يبدأ باكتساب الكلمات يبدأ العالم أمامه بالتمايز، ويبدأ عقله بالاشتغال. ومن الملاحظ أن الواحد منا حين تختمر في ذهنه فكرة ما ويريد أن يعبر عنها فإنه يعتقد أنه يبحث وينقب عن كلمات للتعبير عن فكرته، والحقيقة أنه لا يبحث عن كلمات ولكن يبحث في الفكرة نفسها لشعوره أنها لم تبلغ حد البلورة والنضج. وقد كان هيجل من الفلاسفة الذين اهتموا ببحث العلاقة بين اللغة والفكر، وهو يرى أن التفكير من دون كلمات محاولة عديمة المعنى لأن الكلمة تمنح الفكرة وجودها الأسمى والأصح. وإذا كان توهج واشتعال الفكر مرتبطاً باللغة فعلينا أن نعتني ونهتم بحصيلتنا اللغوية الشخصية، فالمتمكن من اللغة يستطيع أن يصل إلى أفكار دقيقة ومنظمة ومجمعة، بل يستطيع أن ينمي اللغة نفسها من خلال إبداعه لأساليب وأنظمة واستخدامات جديدة.
وفي خلاصة القول نقول إن اللغة ليست عبارة عن رموز ومواصفات فنية لقدرتنا على النطق، وإنما هي أسلوب وتصور وطريقة نظر إلى الحياة والرمق والعيشة والأحياء، وعلى مقدار مهارتنا وحذقنا وبراعتنا بها تتحسن منهجية تفكيرنا.
منى فهد الوهيب
[email protected]