أثار التقرير السنوي الأميركي عن الحريات الدينية في العالم ردات فعل غير مستحبة في كثير من الدول التي ترى أن هذا التقرير غير عادل ومنحاز ولا يعكس الواقع. لأنه تقرير صادر من الخارجية الأميركية وليس من أي جهة تابعة للأمم المتحدة أو منظماتها المختلفة. المفارقة أن أميركا وليس الأمم المتحدة تقيّم الوضع الدولي للحريات الدينية في وقت تؤكد فيه الكثير من الدول، وخصوصاً الدول الاسلامية ان أميركا تمارس مختلف ألوان التعسف والاضطهاد والعنصرية ضد الأقليات الدينية التي تعيش على أرضها.
لقد قادت أميركا حملة شرسة بعد الحادي عشر من سبتمبر على العالم الإسلامي مدعية ان المسلمين إرهابيون فأساءت التعامل مع المسلمين في مطاراتها إذا كانوا سياحاً أو أصحاب أعمال أو انهم يزورون أهاليهم، كما أن الازدراء للمسلمين شمل الغالبية من الأميركيين بسبب الجهل وسوء الاعتقاد بأن الاسلام دين العنف والإرهاب. ولعل سجن «غوانتانامو» أفصح مثال للمعاملة السيئة تجاه المسجونين من المسلمين الأبرياء الذين اعتقلوا خارج الأراضي الأميركية وأودعوا في السجن لأعوام دون محاكمة أو تهم واضحة. لقد أدى هذا السلوك الأميركي في التعامل مع البشر الى تنامي الغلو في الفكر ورفض الآخر في كل مكان.
لا شك أن الجهة التي تضع التقارير الدولية عن الحريات الدينية في العالم ينبغي أن تكون موضوعية وواقعية ولا تكيل بمكيالين في سياساتها الخارجية وتعاملاتها مع الآخرين. فأميركا التي تصدر تقريرها عن حرية الدين والمعتقد تؤيد ما تفعله إسرائيل في الأراضي العربية المحتلة، ويومياً تشاهد انتهاكات اسرائيلي لحرية العبادة في المسجد الأقصى أو في المساجد في القدس الشرقية والضفة الغربية عندما يطلق الاسرائيليون النار على المصلين ويمنعونهم من أداء الصلاة والعبادة، ويضعون الحواجز في كل مكان.
إن الإساءة للدول العربية والاسلامية من خلال التدخل في شؤونها الداخلية اتجاه مرفوض لا ترضى بها أميركا نفسها لو حصل تدخل في شؤونها أو حتى في الشؤون الداخلية لحلفائها، واسرائيل خير مثال على حماية أميركا لها من كل ما يعكر صفوها. لا شك أن التقرير الأميركي الأخير يهدف الى الفتنة بين السنة والشيعة وبين المسلمين والمسيحيين عندما يتعرض للدين الإسلامي على أساس الادعاء بأن هناك تفرقة مذهبية تمارس في مصر والكويت والعراق ودول أخرى. ومن العجب أن تكون أميركا هي التي تعد التقرير بدل المنظمات التابعة للأمم المتحدة، علماً بأن القانون الدولي لا يجيز لأي دولة أن تراجع وتدرس أوضاع الدول الأخرى ثم تنشرها على خلاف الواقع في تقرير على العالم.
نتمنى أن تقف الدول ومنها الكويت موقف الحزم والاحتجاج على كل ما ورد في التقرير الذي يجافي الواقع وخاصة في مسألة التفرقة بين السنة والشيعة، كما ينبغي أن ترد الجامعة العربية التي عليها أن تنهض من نومها وتدافع عن الدول الأعضاء فيها إذا ما جاءت تقارير دولية تتدخل في الشؤون الداخلية العربية على نحو ديني مذهبي يفتح المجال لصراع الحضارات والثقافات والتي تصرح الحكومة الأميركية دائماً بأنها حريصة على سد الفجوة بين حضارات الأمم.
د. يعقوب أحمد الشراح
كاتب كويتي
[email protected]