د.عبداللطيف الصريخ / زاوية مستقيمة / قالها أدونيس

1 يناير 1970 03:25 م
قال أدونيس: أنت لا تكرهني! أنت تكره الصورة التي كونتها عني، وهذه الصورة ليست (أنا)، إنها (أنت).

هذا بالضبط ما يحدث لنا أثناء تعاملنا مع الآخرين، فنحن نراهم حسب انطباعنا السابق عنهم، مهما تغيروا وتغيرت قناعاتهم وسلوكياتهم، وكذلك نظرة الآخرين لنا نادراً ما تتغير، رغم تغيرنا الفكري وتطورنا العقلي وتبدل كثير من أنماطنا في الحياة.

تغزونا التجاعيد، ويهاجم الشيب مفارق رؤوسنا، وما زال بعضهم على ظنه القديم، لم يتبدل أو يتغير تجاه الآخرين، وكأن الدنيا وقفت قبل عشرين أو ثلاثين عاماً، فهو يحاكمك على أفعال ومواقف وقناعات أول الشباب المندفع، وأحياناً يحاسبك على ما كنت متحمساً له أيام المراهقة، بل لعله ينصب مقصلة التاريخ ليقاضيك على أخطاء من كنت تميل لهم فكرياً أو تنظيمياً، وقد مات بعضهم قبل أن تولد بخمسين عاماً!

الفصول تتغير، والصخور والجبال يعاد تشكيلها بفعل عوامل التعرية والتجوية، هكذا هي الدنيا، ولكن يبقى أولئك النفر ينظرون للحياة والناس بمنظارهم الأسود القاتم، ذي النظرة السوداوية، التي تنسج حولك كل التهم، وتضعك في إطار المسؤولية عن كل أخطاء الآخرين، وكأنهم قد حكموا عليك أن تبقى بين القضبان أبد الدهر.

لقد صدق أدونيس عندما قال ان هؤلاء يكرهون أنفسهم، فهم يكرهون ذواتهم تحديداً، ولا يحبونها، لأن الذي يحب ذاته يبحث عن بقايا الخير في ذوات الآخرين، بينما يبحث عن سلبيات الآخرين من يكره ذاته، فهو لا يرى من الحياة والناس غير الجوانب السيئة المظلمة، رغم وجود الإيجابيات.

كلنا ذو خطأ، بل كلنا خطّاء، وليس من فن الحياة السعيدة أن نقتات على البحث عن تلك الأخطاء فنضخمها، ونعتاش سياسياً على موائدها حينا من الدهر، بل الحياة السعيدة أن نبحث عن الجوانب المشرقة في الآخرين ونركز عليها، ونفتش في زوايا النور المشرقة في حناياهم، وما أكثرها، ولكن هيهات لمن تعودت روحه ونفسه العيش في الأجواء الفاسدة النتنة أن تستنشق رائحة البخور والعود والطيب.

كلنا يخطئ، وتختلف قيمة الخطأ وحجمه من شخص لآخر حسب مجال ودائرة تأثيره، هذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان، ولكن المهم هنا أن نقيم الحدث حسب إطاره الزماني والمكاني والموضوعي، دون أي اعتبارات أخرى غير منطقية.





د.عبداللطيف الصريخ

كاتب كويتي

[email protected]