منى فهد الوهيب / رأي قلمي / كم من (هل) لجواب سؤال واحد

1 يناير 1970 08:34 م
عندما أختلس من حقب زماني أراني أجلس مع نفسي جلسة الصفاء الذهني التي اقتنصها من فترة ساعاتي وأيامي لأمكث لحظات الهدوء والسكينة من زحمة أفكاري وأعمالي للتفكر والتأمل، عندها أرى الكثير من التساؤلات تجول وتطوف في فكري وتشغلني، وغالبا ما تعكر وتكدر هذه التساؤلات صفو ذهني الذي أنشده وتجعلني أفكر بشراسة وعمق لأجد جوابا على ما يدور بذهني أو ما يُسكن بركان وزلزال التساؤلات التي تفور وتتألب بداخل جمجمتي.

ومن هذه التساؤلات التي تراودني منذ عهد بعيد وبشكل مستمر لماذا تحديث الفكر أو تجديد العقل يفقدنا هويتنا؟ يفقدنا هويتنا التي تمثل ذواتنا، فكيف بشخص ما يفقد ذاته، أي يصبح بلا شخصية، أي بلا فكر ومعرفة وبلا مشاعر بل وبلا سلوك، أي يصبح من الأحياء الأموات. هل لأن أصبح المجتمع يعيش بدون مقاييس؟ أي بدون قواعد معقولة ومنظمة ومقبولة سواء كانت هذه المقاييس روحية أو عقلية أو مادية.

هل للفهم الخاطئ للتحضر والمدنية، هل لقولبة المدنية بقوالب لا تشكلها؟ لأن المدنية هي ثمرة وعائد الثقافة وهي ثمرة تطور تاريخي طويل تترسخ فيه القيم الاجتماعية وتتبلور فيه التوازنات الروحية والمادية وتستقر فيه الأوضاع الاجتماعية.

هل لأننا لم ننطلق من قواعدنا وقواسمنا المشتركة الثابتة المستقاة من الدين لتجديد وتحديث عقولنا وأفكارنا، هل للنظرة السقيمة المتحيزة لما استلهمناه من مبادئ وقيم وقواعد إنسانية مشتركة من الشريعة والملة، هل للتفكك من المنظومة الربانية المحكمة المتقنة للقيم والمبادئ والقناعات التي نتبناها ونؤمن بها، هل لأننا أضعنا البوصلة الربانية التي ترشدنا إلى الوسيلة الصائبة لتقييم وتقويم بما نُحدث به أفكارنا ونجدد به عقولنا، هل لتناقض أفكارنا وعقولنا وإجحافنا ذواتنا وتعالينا على الفكر المستقاة من المنهج القويم المستقيم، هل لتخبطنا باختيار العلم الملائم والموافق لمستوى أفهامنا وإدراك عقولنا؟ ليتم التحديث والتجديد بالهيئة المبتغية التي لا تتعارض مع هويتنا وذواتنا ولا يتعارض مع مطلب المعاصرة أو الحداثة وبما يتناسب مع معطيات العـــــصر مـــــن دون أن تتـــــصادم مــــــع ثوابــــت وأصـــــول الديـــــن.

هل لأن لا نملك الأهلية والاستطاعة على تقييم وتنقيح وتقويم المواد العلمية التي تغذي عقولنا، هل لأننا نستقي أفكارنا من العلوم التي لا تستند على حقائق مدركة بل على خبرات من صنعها وأنتجها؟ وغالبا ما تكون خبرات مستقاة من أحداث ومواقف ليس لها جذور وقواعد وأصول تنطلق منها.

هل لأن اختلطت وامتزجت المفاهيم داخل الذهن ففقدنا التمييز والتحديد فيما بينها وسقنا أنفسنا وغيرنا إلى هاوية الردى؟ بالتخلي عن هويتنا التي تمثل ذواتنا.

هل لأننا تعرضنا لغزو فكري وثقافي خارجي من دون أن نحصن ونقي أنفسنا من دائه وسقمه، هل للانحلال الدائم من الأطر الاجتماعية، هل للتحرر من منهاج العادات والتقاليد السائدة في المجتمع، هل لأننا ننشد المثالية المزيفة في تطوير وتنمية أفكارنا، هل لنشوء الجماعات والأحزاب والطوائف المتعددة الأفكار والمختلفة التوجهات والرميات، هل لتفكك وتحلل النظم والمبادئ والمصادر الفكرية والمادية والروحية، هل لتعارض وتصادم خطاب الهوية بخطاب الحداثة، هل لتصاعد مطالب الحداثة مع تقدم التحديث وما يحمله من تفتيت للعلاقات المدنية؟

وفي الختام... هل شرط عندما نغذي عقولنا بالفكر والمعرفة لنرتقي ونساير مطالب الحداثة بما يتوافق ويتواءم مع قناعاتنا ومبادئنا وخبراتنا التي استقيناها من ثوابت وأصول الدين ونجدد أفكارنا ونصنع وننتج مفاهيمنا ورؤانا أن ننسلخ ونتنازل ونتجرد من هويتنا التي تمثل ذواتنا؟

وبعد ما سطرت كما من (هل) لجواب سؤال واحد. تبقى لدي هل واحدة... هل تعتقد عزيزي القارئ بأن بركان الأفكار الذي يفور بداخلي قد هدأ وسكن؟!





منى فهد الوهيب

[email protected]