ونحن نعيش ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، لي أمنية وطلب من كل قارئ بأن نستثمر فرحة هذا العيد بتصفية قلوبنا، والعفو عمن ظلمنا أو أساء إلينا، وأن نمد يدنا لمن خاصمناه وخاصمنا، ونستجيب لوصية نبينا عليه الصلاة والسلام والتي يقول فيها «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام». إنها دعوة لكل زوجين، أو جارين، أو أخوين، أو صديقين، أو أب وأبنائه، أن نهون الأمور ونتغافل عن الزلات، وأن نجعل القلوب تتصافح، والوجوه تبتسم، والأرواح تتعانق، فوالله إن الدنيا لا تساوي عند الله عز وجل جناح بعوضة فهل تستحق أن نتخاصم من أجلها.
نحن أيها السادة نتعامل مع بشر لا مع ملائكة، ومن طبيعة البشر الخطأ والتقصير، وكلنا نخطيء ونصيب لذلك فضل النبي عليه الصلاة والسلام الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم على الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم.
حدث خلاف بين الحسن بن الحسن وبين علي بن الحسين الملقب بـ (زين العابدين)، فأتى الحسن إلى علي في مجلسه وبين أصحابه وأساء له بالكلام، فالتزم زين العابدين الصمت ولم يرد عليه، فلما انصرف، أتاه في بيته، وطرق عليه الباب، فظن الحسن أنه أتى لأخذ حقه وليرد عليه إساءته، إلا أن زين العابدين لم يتجاوز إلا أن قال «يا أخي إن كنت َ صادقاً فيما تقول غفر الله لي، وإن كنت َغير ذلك غفر الله لك والسلام». ثم انصرف، فما كان من الحسن إلا أن التزمه وهو يبكي ويقول: لا عدت لمثل ذلك القول أبداً.
إن الله تعالى يدعونا لأن نقابل الإساءة بالاحسان وفي ذلك كسب لقلب الطرف الآخر حيث يقول سبحانه «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم».
كم يتألم القلب وتحزن النفس عندما ترى جارين ليس بينهما سوى جدار واحد، لايطيق أحدهما الآخر، أو تسمع عن رجلين يجتمعان في مجلس واحد، إلا أن قلبيهما متباعدين كما بين المشرق والمغرب، يا اخوة وأخوات الدنيا قصيرة وكلنا راحلون، فاعف واصفح، لعلك عند رحيلك يقال: ما أكرم فلان وأحلمه وما أحسن جواره ومعشره.
التقى ابن السماك رحمه الله برجل كان بينهما خلاف، فقال الرجل: غداً نلتقي فنتعاتب. فقال ابن السماك: بل موعدنا غداً لنتغافر.
ومن جميل ما قرأت في العفو والتسامح والتغافر هذه الأبيات:
من اليوم تلاقينا
ونطوي ما جرى منا
فلا كان ولا صار
ولا قلتم ولا قلنا
فقد قيل لنا عنكم
كما قيل لكم عنا
كفى ما كان من هجر
فقد ذقتم وقد ذقنا
وإن كان ولابد
من العتبى فبالحسنى
رسالتي:
سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن أفضل الناس فقال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، فقالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد.
عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
[email protected]