كانت الكويت مهمومة بالشأن العربي الى أبعد مدى، وكانت الصحافة الكويتية انعكاساً لذلك الاهتمام إذ كانت الصحف الكويتية الخمس في فترة السبعينات والثمانينات تعتبر أكثر الصحف العربية تطوراً وتحرراً وانفتاحاً على قضايا الأمة العربية، وكانت الأكثر تبشيراً بالقومية العربية وتمسكاً بها والترويج لأسسها. لكن دوام الحال من المحال، إذ تخلت الصحافة الكويتية عن تلك التوجهات بعد الغزو العراقي للكويت حين سقطت الكثير من الأقنعة العروبية المدعية والتي ارتمت في أحضان الطاغية تحت شعارات زائفة مختلفة، وبعد التحرير أصاب الكويت ما أصابها من صدمة صاعقة جعلتها تعيد التفكير بأفكارها كافة وخطواتها السابقة التي لم تجن ثمارها كما كان ينبغي.
وبعد عشرين عاماً من الغزو والتحرير نجد أن الكويت صارت مهمومة ومشغولة أكثر من اللازم بقضاياها المحلية التي لا تنتهي، والصراعات الداخلية والملفات الساخنة التي كلما انطفأ منها ملف اشتعل آخر، وظللنا ندور في دوائر مفرغة بلا نهايات، وزاد الهم هما بانكفاء الصحافة الكويتية على ذاتها وابتعادها عن الهم العربي والبعد الدولي في الطرح والتحليل، وتحولت الصحافة الكويتية التي كانت ملاذاً للعرب جميعاً إلى صحف محلية إلى أبعد مدى، وكادت الصحف الكويتية تخلو حتى من الرأي السياسي والفكري العربي الذي كانت تمتاز به اللهم إلا بعض الأقلام هنا وهناك، وصرنا من خلال قرابة الخمس عشرة صحيفة يومية لا نقرأ سوى ما يتعلق بقضايانا وهمومنا وأزماتنا التي تتشابه ولا تنتهي. ولا يمكننا أن نلوم الشعب الكويتي فيما اتجه إليه من انغلاق في الاهتمام والتتبع، خصوصا وأن الصدمة التي تعرض لها كانت عنيفة للغاية، كما أن أزماته الداخلية أصبحت كثيرة ومتعددة.
ورغم كل ما سبق إلا أننا يجب أن نحدد أن الكويت رغم كل ما تعرضت له من خيانات سياسية من أنظمة ومنظمات ما زالت عند وفائها والتزاماتها بقضايا الأمة العربية الرئيسية، وما زالت عند مواقفها الثابتة فيما يخص القضايا العربية الرئيسية لم تتخل عنها أو تبتعد برايتها بعيداً عن الاجماع العربي، وبالرغم أحياناً من وجود معارضة سياسية واجتماعية لسياسة الدولة في بعض المواقف، خصوصا من بعض الدول والأنظمة التي لم تكن مواقفها متينة تجاه الكويت، إلا أن الحكومة تحملت كل السهام الحارقة التي تعرضت لها في سبيل الحفاظ على مواقفها السياسية الدولية خصوصا في ما يتعلق بقضايا الأمة العربية الأساسية التي لم تتهاون الكويت يوماً بها أو تتراجع عن دعمها.
ولو بحثنا في العمق وراجعنا سياسات دولة الكويت في فترات تاريخية متفاوتة... سنجد أن الكويت كانت من أكثر الدول العربية انشغالاً بالشأن العربي ودفاعاً عنه، وكانت دائماً سباقة في لم الشمل العربي ومكافحة دواعي الانشقاق، ودفعت أثماناً كثيرة لمواقفها من إرهاب واختطاف لطائرات وتعرض لناقلات النفط للأذى ومحاولات بائسة لاغتيال رموز الدولة، وظلت على مواقفها الثابتة، ورحم الله الملك فيصل بن عبدالعزيز حين سئل عن الدول العظمى فقال «هناك ثلاث دول... أميركا والاتحاد السوفيتي... وسوبر كويت». هكذا كنا وما زلنا عند عروبتنا وشريعتنا، ولا يمكن لأحد أن يزايد على ذلك. ودمتم سالمين.
ماضي الخميس
[email protected]