د. عبداللطيف الصريخ / زاوية مستقيمة / النقد لا يستلزم الشتيمة

1 يناير 1970 03:39 م
لطالما حرص الإنسان على اختيار كلماته وعباراته أثناء تواصله مع الآخرين، وكذا الكتاب والمؤلفون على انتقاء المفردات التي يوجهونها لقرائهم، وكذا هم الذين يحترمون جمهور متابعيهم، فهم ينتقون أطايب الحديث وحسن القول، ويبتعدون عن الشاذ والقبيح منها.

وقد انتشرت في الكويت خلال الأعوام الأخيرة ثقافة جديدة في النقد، ثقافة تعدت حدود الأدب والنقد المباح، إلى السب والشتيمة وتحقير الآخرين، نقد لا يمت إلى الموضوعية بصلة، ولذا فهو غارق في مستنقع الشخصانية المبنية على التشفي والانتقام، شخصانية لا تبحث إلا عن الأخطاء والسقطات، ومن منا سالمٌ من العيوب والزلات، شخصانية تعتقد أن إثبات الذات لا يتم دون تحطيم ذوات الآخرين، وتشويه صورتهم.

القنوات الفضائية الخاصة والمدونات الشخصية والمنتديات التفاعلية والصحف الإلكترونية زادت الطين بلة، إذ ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في ترسيخ تلك الثقافة، وأعني ثقافة النقد الشوارعي المنحط، فليس من النقد أن تشتم شخصاً أو فئة أو مجموعة من البشر، لأي سبب من الأسباب، وليس من النقد أن تذكر شخصاً باسمه وتتهمه من دون دليل أو حجة أو برهان أو منطق، وليس من النقد زيادة جرعة التجني وتحميل الأمور فوق ما تحتمل.

لو نظرنا للنقد على أنه نصيحة، فهو واجب لابد من أدائه، ولكنه أصبح اليوم سلاحاً في أيدي جبناء، يضربون بيد غيرهم، ويحركون بعض الدمى والمرتزقة خلف شاشات الكمبيوتر، ليدبجوا مقالاتهم بشتى صنوف الابتذال اللغوي، والانحطاط الفكري، والإغراق في الضرب تحت الحزام، وفوق الحزام، وفي الوجه أحيانا، ولم تعد التورية تقوم بالمهمة، ولم يعد التلميح كافياً، بل تعدى الأمر للتصريح والمواجهة المسلحة في ميادين القلم.

للعلم والتاريخ... فنحن لم نبتكر ذلك أبداً، فقد سبقنا بعض الشعراء على مر العصور في توثيق بعض المساجلات والحروب الكلامية، وما درسناه في المدارس من نصوص شعرية لا يمثل إلا الجانب المشرق من إبداع بعض الشعراء، وإلا فهم خاضوا حروباً إعلامية قذرة، كانوا فيها الصحيفة والقناة الفضائية، حيث كانوا كشعراء الوسيلة الإعلامية الأكثر انتشاراً، حالهم حال غيرهم من المرتزقة في كل زمان ومكان، وانحط بعضهم في مستوى النقد إلى أدنى مستوياته، وإني والله لأستحي من ذكر نماذج مما حفظته الكتب لنا، وليست تخفى على قارئ حذق.

النقد قيمة عظمى... يعرف حقَّها الكبار، ولا يُؤتاها السفهاء.





د. عبداللطيف الصريخ

كاتب كويتي

[email protected]