| ابتسام السيار |
حب المظاهر أمر انتشر كثيرا بين الفتيان والفتيات في هذا العصر، رغبه منهم في ظهور ذواتهم بمظهر لائق في نفوس الآخرين، ومحاولة لفت الانظار اليهم... وهذه الظاهرة مرجعها** غالبا الى ما يشعر به بعض الناس من القصور في انفسهم فيعوض ذلك بمحاوله اخفاء عيوبه تحت ستار مظهريته الزائفة الجوفاء... ومن الامور التي يحرص عليها بعض الشباب على التباهي بها هي نوع السيارة وقصة الشعر ولبس الثياب المترفة، ليظهر
امام اصدقائه انه متابع ما هو جديد.
ان البحث عن الزينة والجمال غريزة بشرية قديمة جدا، تضرب بجذورها في اعماق التاريخ وربماعرفتها ومارستها كافة الشعوب والامم القديمة والبدائية، وظلت مرافقة للإنسان في كل من العصور والازمنة، وعلى مر الليالي والايام والى يومنا هذا، لذا لجأ الناس الى كل ما هو متاح لهم او ماهو في حدود امكاناتهم الحياتية ومعطيات عصورهم، ذلك من اجل اشباع هذه الغريزة، وتحقيق هذا الحلم او الهاجس الذي يظل دائما يداعب احلام البشر حيثما كانوا.
واذا رجعنا الى الاسباب الاولية للمبالغة في المظاهر، نجدها التنشئة الاجتماعية داخل الاسرة، يتعلم الشاب العادات والتقاليد والقيم السائدة في جماعته ويتعايش مع ثقافه مجتمعه، وتنجم استمرارية عملية التنشئة عن اقترانها بنمو المرء وتبلور مطالبه الإنمائية وفقا لكل مرحلة، ويعبر ذلك عن حاجة معينة، فاذا كان من مطالب النمو في الطفولة اشباع الحاجات الفسيولوجية الاساسية، فان من مطالب المراهق الحاجة الى تكوين فلسفة شخصية متسقة مع المجتمع، وهناك اسر لا تبالي بتلك المظاهر والبعض يشجع على ذلك، فعند بداية سن البلوغ الرابعة عشرة وهي بداية مرحلة المراهقة، تظهر علي الشاب او الفتاة تغيرات فسيولوجية، وهى مزعجة بحد ذاتها للمراهق، لانها تخرجه من مرحلة الطفولة المتأخرة، التي كان يعتمد فيها على والديه الى مرحلة النضوج بالاعتماد على نفسه وتحمل المسؤولية، ومن المتغيرات التي تظهر عليه هي تضخم الصوت وتساقط الشعر وبروز العضلات وغيرها... وايضا تتغير نظرته بالمحيطين به بانه اصبح رجلا وبالتالي يجب على والديه ان يتعاملا معه كرجل، ولا يتم نهره وزجره امام اخوته او اقرانه... ويهتم هنا الشباب في هذه المرحلة بمظهره فكثيرا والبعض منهم ينجرف نحو المظاهر الخداعة والشاذة، التي تأتينا من الغرب عن طريق الافلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والمجلات الخلاعية والفضائيات والانترنت، ومنهم من يتأثر ببعض الفنانين، اللاعبين، الإعلاميين فيقلدهم في ملابسهم، المشية، الحركة، تقليد الصوت وتسريحة الشعر حتى يصل مرحلة اشباع الذات.
فلو كنت موجودا في احد المجمعات نهاية الاسبوع تشاهد مهرجانا يجمع ما بين بعض الشباب والبنات، ونبدأ بالشباب فبعضهم يركضون وراء التقليعات الغربية من دون تفكير في نتائجها... نجد المراهق- اي الطالب- يبذر في كل ما ادخره من مصروف على تسريحة معينة، حتى يجذب انتباه الجميع بقصة او تسريحة غريبة... شعر قصير مع «غرة سبايكي»، او شعر طويل ليربطه «ذيل حصان» او حلق الشعر «ويفي» واقف بالجل او طويل حتى الرقبة او «الزيكزاك»، وهناك من يصبغ شعره الاشقر والاحمر او «الهايلات»، كذلك بالنسبه للملابس الجينز فهناك بنطلون سحابة من الخلف او المثقوب والممزق والمنخفض لاظهار الحزام بانه ماركة عالمية، او ما يطلق عليه البرمودا وهناك قمصان او بلوزة تلحق بماركات او بالوان صارخة ويضع بعض الشباب صورا لنفسه، لعشيقته او لفنانين بالاضافة الى لبس السلاسل الفضية والذهبية في الايدي والرقبة مع وضع الوشم باشكال مختلفة... أما بعض الفتيات- الله يسامحهن- فمنهن لا تدخل المجمع الا ووجهها مرسوم بكل الوان الكون ومنهن ترتدي عباءة ضيقة مع نقاب، اما عن «حجاب الموضة»، كما نراه هذه الايام يكشف عن الرقبة... هناك موضة ربطة على جنب او من الخلف اى تحول الحجاب الى لباس عادي يفتقد لرسالته الدينية، فكثير ما تشاهد فتاة ترتدي لباسا يظهر من خلاله جسدها ويبرز كل مفاتنها، اى اصبحت تتعمد لارتدائها ذلك، ولا تشعر باي حرج لان الحجاب عندها موضة وليس التزاما دينيا، وهناك من تسير بتعال وكبرياء ومن خلفها الخادمة، التي تحمل حقيبتها وحاجياتها وجهاز الكمبيوتر النقال... ولم يسلم الهاتف المحمول بان يكون هناك تحد من حيث النوع والعدد خصوصا اذا جلست فى احد الكافيهات تجد البعض يضع هواتفه فوق الطاولة وهو يتأمل المارة يمينا ويسارا.
وهنا أتساءل لماذا لا يتأثر بنا الغربيون... ونرى شبابنا يتهافتون على اخر صيحات الموضة الغربية؟ ولا بد من ادراك اخطار المواد الاعلامية المسمومة، التي يوجهونها الينا والى كل مجتمعات العالم الثالث، عن طريق فضائياتهم التي تلعب دورا خطيرا ومباشرا في تخريب عقول شبابنا واطفالنا، ويتلاعبون بها كما يشاؤون اعتمادا على قوة الاعلام المتجردة من الاخلاق الفاضلة، وبدلا من ان نجد جيلا ثريا بالعباقرة والفلاسفة والمخترعين نجنى جيلا يدمن المظاهر الخداعة بعيدا عن جوهر الانسانية... فالمرء بفضيلته لا بفصيلته... وبكماله لا بجماله... وبآدابه لا بثيابه.
[email protected]