«تخلّف حضور المحقق صاحب الاختصاص وصم المحكمة بالبطلان»
«جنح التمييز» تعيد إلى محكمة أول درجة دعوى رئيس الوزراء ضد الفضالة
1 يناير 1970
10:19 ص
| كتب أحمد لازم |
قضت محكمة جنح التمييز امس برئاسة المستشار نايف محمد المطيرات في الدعوى المرفوعة من سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد ضد امين عام التحالف الوطني السابق خالد الفضالة بإعادة الدعوى الى محكمة اول درجة لتحديد جلسة لنظرها وإعلان المتهم.
ورأت المحكمة في حكمها ان قضايا الجنح ومنها الدعوى المطروحة يمثل الادعاء فيها ممثل عن الادعاء العام ومن ثم فإن حضور ممثل النيابة وتمثيل النيابة في الادعاء العام امام المحكمة يكون باطلا لأنه جاء على خلاف ما تقضي به الاجراءات ولا يغير من ذلك تفويض وزير الداخلية للنيابة العامة التحقيق والتصرف في الجنحة، ذلك يعني تفويض النيابة العامة في التحقيق والتصرف فقط وهو ما تملك وزارة الداخلية التفويض فيه وليس الادعاء العام لأنها لا تملك التفويض حيث انه من المقرر فقها وقضاء ان التفويض لا يكون الا بنص، فلا يجوز التفويض الا بقانون، إذ يلزم حتى يكون التفويض صحيحا ان يسمح القانون بالتفويض، فإذا منع القانون الاختصاص الى جهة معينة ليس لهذه الجهة التنازل عن هذا الاختصاص او تفويضه الى سلطة اخرى الا اذا اجاز القانون ذلك، ما مفاده ان المحققين هم وحدهم اصحاب الحق في تمثيل الادعاء العام في مواد الجنح امام محكمة الجنح فإذا حل محلهم غيرهم حتى لو كانت النيابة العامة صاحبة الاختصاص الاصيل فإن هذا التمثيل للادعاء امام محكمة الجنح يصبح باطلا ويبطل من بعده تشكيل هذه المحكمة التي اصدرت الحكم، باعتباره صدر من محكمة غير مشكلة بشكل صحيح وفقا للقواعد، وكان الواجب على النيابة العامة بعد قيامها بالتحقيق والتصرف ان تعهد لسلطة التحقيق بالقيام بحق الادعاء قبل المتهم امام محكمة الجنح وتخلف حضور المحقق صاحب الاختصاص الاصيل عن الحضور وصم الحكم بالبطلان.
وفي ما يلي تفاصيل الحكم:
أسندت النيابة العامة للطاعن الفضالة انه في يوم 2009/11/16:
اسند في مكان عام وعلى مسمع ومرأى من اخرين للمجني عليه الشيخ ناصر محمد الاحمد الجابر الصباح - رئيس مجلس الوزراء - وقائع تستوجب عقاب من تنسب اليه وتؤذي سمعته بأن نسب اليه بالخطاب الذي ألقاه في ندوة عقدت بساحة الارادة امام مبنى مجلس الامة بعنوان «ارحل فنحن نستحق الافضل».
وعرضت الدعوى على محكمة الجنح التي قضت حضوريا بجلسة 2010/6/30 بحبس الطاعن ثلاثة اشهر مع النفاذ وبتغريمه مبلغ مئة وخمسين دينار، عما نسب اليه، وامرت باحالة الدعوى المدنية الى المحكمة المدنية المختصة، واستأنف المطعون ضده هذا الحكم كما استأنفته النيابة العامة، وقامت محكمة الجنج المستأنفة بنظر الاستئنافين وانتهت في جلسة 2010/7/12 الى القضاء بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بحبس المتهم عشرة ايام عما اسند اليه من اتهام والتأييد فيما عدا ذلك بالنسبة للدعوى المدنية ورفض استئناف النيابة العامة.
ولم يرتض الطاعن ما انتهت اليه محكمة الجنح المستأنفة فتقدم بمحام عنه لادارة كتاب محكمة الاستئناف بتاريخ 2010/8/5 مقررا بالطعن بالتمييز واودع اسباب طعنه بذات التاريخ امام محكمة الاستئناف وسجلت تحت رقم 2010/249 لتنظرها هذه الدائرة.
وحيث ان مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه انه اذ دانه بجرائم القذف والسب واهانة موظف عام قد شابه القصور في التسبب ذلك انه لم يعرض لدفاعه ببطلان تمثل النيابة العامة امام المحكمة عملا بنص المادة 106 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية ما يعيب الحكم ويوجب تمييزه.
وحيث ان البين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة امام محكمة الجنح المستأنفة ان المدافع عن الطاعن قدم مذكرة دفع فيها امام المحكمة ببطلان تمثيل النيابة العامة في الادعاء امام المحكمة إلا ان الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا الدفاع ايرادا وردا رغم جوهريته ما يعيب الحكم ويستوجب تمييزه.
وحيث ان موضوع الاستئناف صالح للفصل فيه وحيث ان المدافع عن المتهم قدم مذكرة دفع فيها ببطلان تمثيل النيابة العامة امام المحكمة.
وحيث ان ذلك الدفع في محله، اذ ان المادة 106 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية تنص على ان «يتولى المحققون مباشرة الدعوى بطلب توقيع العقوبة على المتهمين في جميع الجرائم التي يملكون فيها سلطة التحقيق والتصرف والادعاء وفقا للفقرة الثانية من المادة 9 وذلك طبقا للشروط والاجراءات المنصوص عليها في هذا القانون.
وكان مفاد هذا النص ان قضايا الجنح ومنها الدعوى المطروحة يمثل الادعاء فيها ممثل عن الادعاء العام ومن ثم فإن حضور ممثل النيابة وتمثيل النيابة في الادعاء العام امام المحكمة يكون باطلا لانه جاء على خلاف ما تقضي به 106 اجراءات سابق الاشارة اليه ولايغير من ذلك تفويض وزير الداخلية للنيابة العامة التحقيق والتصرف في الجنحة الماثلة ذلك ان هذا الامر يعني تفويض النيابة العامة في التحقيق والتصرف فقط وهو ما تملك وزارة الداخلية التفويض فيه وليس الادعاء العام لانها لا تمتلك التفويض فيه، وذلك عملا بنص المادة 9 من قانون اجراءات والمحاكمات الجزائية.
حيث انه من المقرر فقها وقضاء ان التفويض لا يكون إلا بنص، فلا يجوز التفويض إلا بقانون، اذ يلزم حتى يكون التفويض صحيحا ان يسمح القانون بالتفويض، فإذا منح القانون الاختصاص الى جهة معينة ليس لهذه الجهة التنازل عن هذا الاختصاص أو تفويضه الى سلطة أخرى إلا إذا أجاز القانون ذلك ومن الضروري ان يصدر قرار صريح من الجهة صاحبة الاختصاص الأصيل عن رغبتها في استخدام التفويض الذي منحه لها القانون، كما يشترط لصحة التفويض أن يكون جزئياً، وأن يكون المفوض مسؤولاً عن الأعمال التي فوضها بالاضافة الى مسؤولية المفوض إليه، تطبيقاً لمبدأ أن التفويض في السلطة ولا تفويض في المسؤولية، ولا يجوز للمفوض إليه أن يفوض غيره، فالتفويض لا يتم إلا لمرة واحدة، لأن الأصل هو عدم التفويض والاستثناء هو التفويض ولا يجوز التوسع بالاستثناء، وتفويض الاختصاص ينقل السلطة بأكملها الى المفوض إليه، وهذا يمنع الأصيل المفوض من ممارسة الاختصاص الذي تم تفويضه اثناء سريان التفويض، ويخضع حق التفويض لمبدأ المشروعية الذي يستدعي أن يكون خاضعاً للقانون، وإلا كان باطلاً وغير مشروع.
ولما كان المقرر ان التحقق من سلامة الاجراءات وتشكيل المحكمة من الأمور التي تتعلق بالنظام العام التي تقررها المحكمة من تلقاء نفسها. كما انه يستلزم للاستيثاق من صحة التفويض بخصوص الاجراءات وسلامته من عدمه الخضوع لمبدأ الشرعية الاجرائية المنصوص عليه في قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية رقم 17/1960 بكونه القانون الخاص المختص بتنظيم الاجراءات والاختصاص في الدعاوى الجزائية وتحديد القواعد والاجراءات التي تتبع في المحاكمة، ومن الاطلاع على المادة «9» اجراءات نجد انها تنص:
«تتولى النيابة العامة سلطة التحقيق والتصرف والادعاء في الجنايات. ويتولى سلطة التحقيق والتصرف والادعاء في الجنح محققون يعينون لهذا الغرض في دائرة الشرطة والأمن العام. وتثبت صفة المحقق ايضاً لضابط الشرطة الذي يعينهم النظام الداخلي المنصوص عليه في المادة (38). ومع هذا فإن للنيابة العامة ان تحيل أي جناية على المحققين او الضباط في دائرة الشرطة لتحقيقها كما ان لرئيس دائرة الشرطة والأمن العام ان يعهد للنيابة العامة بالتحقيق والتصرف في أي جنحة اذا رأى من ظروفها او أهميتها ما يتطلب ذلك».
ويتبين من هذا النص ان قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية قد نظم صراحة اختصاص النيابة العامة واختصاص الادارة العامة للتحقيقات في تولي سلطة التحقيق والتصرف والادعاء في جرائم الجنح والجنايات، كما نظم كذلك حق التفويض في تلك الاختصاصات، ولا محل بعد ذلك للاجتهاد القضائي آخذاً بالمبدأ القضائي الشهير «لا اجتهاد في ظل وجود النص»، والقول بغير ذلك يعد مخالفة لصريح النصوص وهدراً للغايات التشريعية التي تكفل حماية حقوق الفرد من أي تعسف للسلطة سواء كانت تشريعية او تنفيذية او قضائية.
ومفاد نص المادة «9» اجراءات أعلاه، ان صاحبة السلطة في التحقيق والتصرف والادعاء في الجنايات هي النيابة العامة كأصل عام، والاستثناء هو ان للنيابة العامة فقط دون غيرها أن تتنازل عن سلطتها في التحقيق وتفوض المحقق أو ضابط الشرطة دون غيرهما، ما يعني ان صاحبة سلطة التفويض في الجنايات هي النيابة العامة، المفوض إليه يجب ان يكون محققاً او ضابطاً في دائرة الشرطة، وبالتالي لا يجوز التفويض لغيرهما، وأما عن نطاق التفويض وحدوده المسموح فيها وفقاً لما نصت عليه فإنه في الجنايات يقتصر على التحقيق فقط، ومن ثم لا يجوز أن التفويض في سلطة التصرف والادعاء في الجنايات وإلا كان باطلاً، فإذا قامت النيابة العامة بتفويض المحقق بالتحقيق بجناية فإن عمله يقتصر على مباشرة إجراءات التحقيق وينتهي دوره بانتهاء التحقيق فيها، ويتعين عليه بعد ذلك ارفاق محضر التحقيق الذي اجراه بملفها واعادتها بحالتها الى النيابة العامة لاتخاذ شؤونها فيه المتمثلة في مباشرة التصرف والادعاء فيها، اذ ان التفويض استثناء ولا يجوز التوسع بالاستثناء.
وأما في جرائم الجنح فإن صاحب الاختصاص الاصيل في التحقيق والتصرف والادعاء هو المحقق المعين من وزارة الداخلية، كما ثبت صفة المحقق ايضاً لضابط الشرطة الذي يعينه النظام الداخلي وفق المادة 38 اجراءات، هذا كأصل عام، والاستثناء الوارد عليه يتمثل في أن القانون بالمادة أعلاه قد منح وزير الداخلية الحق في أن يفوض النيابة العامة بالتحقيق والتصرف في أي جنحة اذا رأى من ظروفها أو أهميتها ما يتطلب ذلك، فصاحب سلطة التفويض في الجنح هو وزير الداخلية فقط دون غيره، والمفوض إليه هي النيابة العامة، ولا يجوز التفويض لغيرها، ومحل التفويض يجب أن يقتصر على سلطة التحقيق والتصرف، ما يعني عدم جواز التفويض في الادعاء، فهو حق أصيل للمحقق لا يجوز فيه التفويض، ومفاد هذا انه لا يحق للنيابة العامة مباشرة التحقيق والتصرف في الجنح من تلقاء نفسها بمقولة انها صاحب الاختصاص الاصيل بل يتعين عليها أن تتحصل على تفويض في ذلك من قبل وزير الداخلية، اما حق الادعاء في الجنح فإنه لا يجوز للنيابة العامة أن تباشره سواء من تلقاء نفسها أو بتفويض لأن سلطة الادعاء في الجنح حق خالص بحكم القانون للمحقق لا يجوز فيه التفويض، فإذات صدر تفويض من وزير الداخلية للنيابة العامة، فإنه يجب على الاخيرة ان تلتزم في الحدود المقررة للتفويض وفقاً للقانون، بمعنى أن تقتصر دورها في التحقيق والتصرف، ولا يجوز لها ان تتجاوز ذلك النطاق وتمد يدها لممارسة سلطة الادعاء، اذ ان اي تفويض يرد على حق الادعاء بالجنح يوصمه بالبطلان لعدم مشروعيته، وهذا هو الاصل العام الوارد بحكم المادة «9» من قانون الاجراءات ولا يجوز مخالفته الا بقانون وليس بتفويض، ومن ثم فإن على النيابة العامة الالتزام بحكم «9» اجراءات، حال حصولها على تفويض من وزير الداخلية في خصوص جرائم الجنح ان تباشره التحقيق والتصرف فيها، ويتمثل حق التصرف في حفظ الدعوى او احالتها الى المحكمة المختصة، ولايجوز لها بعد ذلك ان تمارس حق الادعاء لان يدها مغلولة بحكم القانون وتترك ذلك لصاحبه الاصيل وهو المحقق ليقوم في مباشرة الادعاء فيها.
ولما كان ما تقدم وكان الثابت ان الدعوى الماثلة قام بتحريكها وكيل المجني عليه بتقديم شكوى للسيد النائب العام متهما فيها الطاعن بالاعتداء على موكله بالسب والقذف والاهانة، وانتهى طالبا اتخاذ الاجراءات القانونية قبله، فقام السيد النائب العام بالاطلاع على الشكوى المقدمة وتبين له ان مضمون الاتهامات المسندة للطاعن تمثل جرائم الجنح وفقا لنص المادة «5» من قانون الجزاء، والتي تختص فيها الادارة العامة للتحقيقات، فقام بمخاطبة السيد وزير الداخلية بكتاب مرسل بتاريخ 15/ 12/ 2009، يطلب فيه التفويض للنيابة العامة في مباشرة التحقيق والتصرف والادعاء في الدعوى الماثلة، وبناء على كتاب السيد النائب العام، واستنادا على المادة 9/ 3 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية اصدر السيد وزير الداخلية قراره الوزاري رقم 3696 / 2009 المؤرخ في 23 /12/ 2009، بتفويض النيابة العامة بالتحقيق والتصرف والادعاء في جرائم الجنح المسندة للطاعن محل الدعوى الماثلة، ومن ثم يكون القرار قد خرج عن نطاق وحدود التفويض المقرر بحكم المادة 9/ 3 من قانون الاجراءات المحاكمة الجزائية، واصبح قرارا معيبا جزئيا لم شابه من بطلان جزئي بخصوص التفويض بحق الادعاء، ما يتعين بطلانه في جزئية التفويض بحق الادعاء وبطلان ما ترتب على الادعاء من قبل النيابة من اثار وهو ما يعرف بالبطلان الجزائي للقرار ما يعني ان قرار التفويض صحيح ومنتج لاثره بخصوص التحقيق والتصرف فقط وصحة ما قامت به النيابة العامة من اجراءات التحقق والتصرف، وبطلان ما عدا ذلك.
وتطبيقا لما تقدم، فان ما قامت به النيابة العامة من اجراءات التحقيق والتصرف في الدعوى الماثلة، هي اجراءات صحيحة، تستند على تفويض صادر من وزير الداخلية يخولها بالقيام بالتحقيق والتصرف، ويتمثل مفهوم التصرف هو ما يتم اتخاذه من اجراءات بعد الانتهاء من التحقيق سواء كان بحفظ الاوراق لعدم كفاية الادلة، او لعدم وجود جريمة، او احالتها للمحكمة بقيد ووصف لتتخذ المحكمة شؤونها فيها كما هو في الدعوى الماثلة، وينتهي التصرف في الدعوى بصدور قرار احالتها للمحكمة، بينما يتمثل مفهوم الادعاء في الاجراءات التي تتم بعد مرحلة انعقاد الخصوم امام المحكمة، كتمثيل الجهة امام المحكمة ومباشرة الادعاء امامها في طلب توقيع العقوبة، والمرافعة، وطلب الاستئناف على الاحكام الصادرة، وكان يجدر على النيابة العامة ان تتوقف عند الانتهاء من تصرفها، وتترك امر الادعاء «للمحقق» التابع للادارة العامة للتحقيقات لمباشرة حقه الاصيل بحكم القانون، وهو ما لم تفعله اذا قامت بمباشرة الادعاء فيها دون وجه حق او سند من القانون ما يوصم ادعاءها بالبطلان وبطلان الاثار المترتبة عليه، فحق الادعاء حق اصيل للمحقق لايجوز التفويض فيه ولايجوز لغيره ان يمارسه عنه في الجنح، ولما كانت النيابة العامة قد خالفت ذلك ومارسة حق الادعاء بمثولها امام محكمة الجنح ومحكمة الجنح المستأنفة، وتثبيت ذلك في محاضر جلساتها، فان تلك الاجراءات بخصوص الادعاء باطلة وتبطل بالتالي مايترتب عليها من اثار، باعتبار ان ما قامت به النيابة العامة من ممارسة حق الادعاء خروج على مبدأ المشروعية لافتقادها للسند القانوني ومخالفة حكم القانون في تشكيل محاكم الجنح، اذ ان المقرر قضاء ان حضور المحقق في المحاكمة الجزائية بالجنح واجب اخذا من روح نصوص قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية وان تخلفه عن المحاكمة يعيب الحكم الجزائي ويؤدي إلى بطلانه، وحق الادعاء يتمثل في حضور المحاكمة ومباشرة الدعوى بطلب توقيع العقوبة على المتهم وفقا للاجراءات وطبقا للشروط المنصوص عليها في هذا القانون، التي تنص على ان يتولى المحققون مباشرتها بالنسبة للجنح، والادعاء هو مباشرة الدعوى المتمثلة بتمثيل المجتمع امام المحكمة وحضوره المحاكمة كجزء من تشكيلها، اذ ان تمثيل النيابة العامة بمحكمة الجنايات وتمثيل المحققين بمحكمة الجنح وجوبي لصحة انعقاد المحكمة وفقا لنصوص احكام قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية وان تخلفهما عن المحاكمة يعيب الحكم الجزائي ويؤدي الى بطلانه، وهذا الوجوب يظهر واضحا من مفهوم نصوص قانون الاجراءات وان كان لم ينص عليها صراحة، اذ تضمنت نصوص ذلك القانون اشارات على وجوب حضورهما وافتراض وجودهما لانعقاد المحاكمة، ويظهر ذلك من مقاصد وعبارات نصوص القانون وروحه، وآية ذلك:
1- ان المادة 9 من قانون الاجراءات، حددت المختص بتولي التحقيق والتصرف والادعاء في الجنايات للنيابة العامة وفي الجنح للادعاء العام «المحقق»، بينما اوردت المادة 105 من ذات القانون، ان النيابة العامة تتولى مباشرة الدعوى بطلب توقيع العقوبة على المتهمين بالجنايات وفقا للاجراء وطبقا للشروط المنصوص عليه في هذا القانون، ويتولى المحققون مباشرتها بالنسبة للجنح، ويفهم من ذلك ان دور النيابة العامة والادعاء العام لا يقف عند التحقيق والتصرف وانما يستمر الى الادعاء في مباشرة الدعوى، والمباشرة هنا المقصود بها حضور المحاكمة، ويظهر ذلك جليا ما اوردته المادة 107 اجراءات «يتولى اجراءات الاتهام في الدعوى الجزائية من باشر التحقيق والتصرف، ومفهوم هذه النصوص مجتمعة ان المحكمة الجزائية لا تنعقد بالنسبة للجنايات الا بحضور النيابة العامة وفي الجنح للادعاء العام «المحقق» وبالتالي لا تنعقد المحاكمة الجزائية في غيبتهما.
2- ان المادتين 121،120 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية نظمت حق المتهم بخصوص حضوره المحاكمة وتوكيل من يدافع عنه بينما لم تتعرض بهذا الخصوص للنيابة العامة والادعاء العام ما يعني ان وجودها لانعقاد المحاكمة مفترض.
3- ان حكم المادة 122 اجراءات نظم المحاكمة في حال تخلف المتهم عن الحضور بنفسه او بوكيل عنه، وحق المحكمة بان تصدر حكما في غيبة المتهم، ولم يتعرض بذلك بخصوص النيابة العامة والمحقق «ممثل الادعاء العام»، ما يعني ان حضورهما شرط من شروط تشكيل المحاكمة الجزائية التي لا تنعقد صحيحة من دونهما.
4- كما تستظهر المحكمة من حكم المادتين 134،133 اجراءات بخصوص حق المحكمة بالاذن للمدعي في ان يدخل تعديلا في صحيفة الاتهام في اي وقت انها تفترض ان المدعي من ضمن تشكيل المحاكمة وذلك واضح عند عبارتها بالنص «للمحكمة ان وجدت ما يستدعي تعديل وصف التهمة ان تنبه جميع الخصوم الى ذلك، وتأمر المدعي بالقيام بما يستدعيه التعديل من اجراءات»، إذ يفهم من ذلك ان وجود الادعاء العام او النيابة العامة ملازم لوجود وانعقاد المحكمة.
5- ولا يقدح من ذلك عدم وجود نص صريح يوجب حضور النيابة او المحقق كما هو في نص المادة 137 بخصوص كاتب الجلسة اذ نص على وجوب حضوره بالجلسة لانعقاد المحاكمة، اذ ان ممثل الاداء العام والنيابة العامة ذو اهمية اكثر من كاتب الجلسة بالمحاكمة الجزائية وافتراض شرط وجوده لتشكيل المحاكمة حكمي لا يستلزم النص عليه.
6- كما يفهم جليا من حكم المادة 139 اجراءات بخصوص حق المحكمة بمحاكمة من تقع منه اثناء انعقادها جريمة تعد على هيئتها او على احد اعضائها او على احد الموظفين في المحكمة، ان النيابة العامة حاضرة جلسة المحاكمة، فتولي الادعاء في جريمة اثناء الانعقاد يؤكد وجود الادعاء العام او النيابة العامة، وتحكم عليه فورا بالعقوبة، وما يؤكد ذلك ما يفهم من حكم المادتين 168،140 اجراءات من ان حضور المحقق بالجلسة حتمي لا تنعقد المحاكمه من دونه.
7- واخيرا نجد ان مفهوم المادتين 188،187 اجراءات يفترض ضمنا حضور المدعي الجزائي «ممثل النيابة او الادعاء»، بالمحاكمة الجزائية ويعد حضورهما شرطا في تشكيل المحاكمة لا تنعقد دونهما، وذلك حين تقرران ان حق المعارضة في الحكم الغيابي مقرر للمحكوم عليه فقط، واعتبار ان المدعي سواء النيابة العامة او الادعاء العام حاضر الجلسة حكما، وبالتالي فان المشرع لم يتصور ان يكون الحكم غيابيا بالنسبة لهما ولم يقرر لهم حق المعارضة ما يؤكد ان المشرع اعتبر حضورهم شرطا واجبا في تشكيل المحاكمة الجزائية وانعقادها.
ومما تقدم فان حضور ممثل النيابة العامة في محكمة الجنايات ومحكمة الاستئناف الجزائية والتمييز الجزائية، وجوبي في تشكيل المحاكمة وأساس لانعقادها، كما ان حضور ممثل الادعاء العام «المحقق» في محكمة الجنح ومحكمة الجنح المستأنفة، يعتبر وجوبيا كذلك في تشكيل المحاكمة واساسا لانعقادها، وان تخلفهما يؤدي لبطلان المحاكمة، ما لم ينص القانون على تشكيل معين كما هو وارد في قضايا الشيكات من دون رصيد وقضايا جنح التجارة، إذ ان القانون يشترط حضور ممثل النيابة العامة امام محاكم الجنح بدلا من المحقق، وكذلك في تشكيل هذه المحكمة «تمييز الجنح»، وهذا سنده نص القانون وليس التفويض، ولما كان حضور المحقق وممثل النيابة العامة في جلسات المحاكمة وجوبيا كما سلف بيانه فان ذلك يعني او وجودهما في تشكيل المحاكمة اساس لانعقادها، ومن ثم فان الحكم الصادر من محكمة جزائية تخلف عن حضورها ممثل الادعاء العام بالجنح او ممثل النيابة العامة في الجنايات او الجنح التي تباشرها بحكم القانون هو حكم معيب بالبطلان لاخلاله بالتشكيل الذي يتطلبه قانون الاجراءات والمحاكمة الجزائية، وبالتالي فان شروط صحة انعقاد المحاكمة الجزائية تتطلب حضور الهيئة القضائية وسكرتير المحكمة والمدعي «المحقق بالجنح او ممثل النيابة في الجنايات»، في جلسة المحاكمة، ومن ثم لا تنعقد المحاكمة بتخلف اي منهم، فان هي عقدت بغيبة المدعي «ممثل الادعاء العام بالجنح او ممثل النيابة العامة بالجنايات»، فانعقادها باطل ومن ثم يمتد الي ذلك العيب لم يصدر منها من احكام، وكذلك الحكم لوعقدت محكمة الجنايات جلستها في حضور ممثل الادعاء العام بدلا من النيابة العامة فان انعقادها باطل ويبطل ما يصدر عنها من احكام، والحال كذلك في محكمة الجنح والجنح المستأنفة اذا انعقدت بحضور النيابة العامة بدلا من الادعاء العام فان انعقادها باطل ويبطل ما يصدر عنها من احكام، وان حضور اي منهما بدلا من الاخر يؤدي الى بطلان الانعقاد ومن ثم بطلان الحكم الصادر من ذلك التشكيل المعيب، ولا ينطبق ذلك على الجنح التي تباشرها النيابة العامة كأصل عام بحكم القانون مثل «جنح الشيك من دون رصيد، وجنح التجارة»، اذ ان سند ذلك هو القانون وليس التفويض، فالقانون هو الذي عقد الاختصاص للنيابة العامة كأصل عام ولا محل للتفويض في هذا النوع من القضايا، وبالتالي فان انعقاد المحاكمة بالنسبة لهذه القضايا ينعقد بحكم القانون بحضور ممثل النيابة العامة في محكمة الجنح والجنح المستأنفة وليس المحقق، وحضور المحقق بدلا منها يبطل انعقادها.
ومما تقدم من السياق نفسه، وكان الثابت ان النيابة العامة بناء على تفويض وزير الداخلية قامت بمباشرة التحقيق في الدعوى وتصرفت فيها، منتهيا الى ان المتهم «الطاعن» قد ارتكب جرائم السب والقذف وإهانة موظف عام والمعاقب عليها بالمواد 1/134، 209، 210 من قانون الجزاء، وينطبق عليها وصف الجنح عملا بحكم المادة 9 من قانون الجزاء، وتختص بنظرها محكمة الجنح وبالتالي ينعقد الاختصاص بالاصل بالادعاء لمحققي «الادارة العامة للتحقيقات» التابعة لوزير الداخلية، إذ لا يجوز التفويض في سلطة الادعاء بالجنح مما كان يتعين على النيابة العامة ان تغل يدها عن الدعوى حال تصرفها فيها بإحالتها لمحكمة الجنح ليقوم «المحقق» بالادعاء فيه امام محكمة الجنح، وحال مخالفتها لذلك فإنه يتعين بطلان تصرفها وبطلان الاحكام الصادرة بناء على تلك الاجراءات الباطلة.
وحيث انه لما كان من المقرر ان التقاضي في المواد الجزائية بالنسبة للجنح على ثلاث درجات وهي محكمة الجنح «المادة 4 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية» ومحكمة الجنح المستأنفة «المادة 6 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية» ومحكمة الاستئناف العليا بهيئة التمييز «المستحدثة بالمادة 200 مكررا من قانون رقم 17 لسنة 1960 بإصدار قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية المضافة بالقانون رقم 73 لسنة 2003».
وكان النص في المادة «9» من القانون المشار اليه على انه: «تتولى النيابة العامة سلطة التحقيق والتصرف والادعاء في الجنايات. ويتولى سلطة التحقيق والتصرف والادعاء في الجنح محققون يعينون لهذا الغرض في دائرة الشرطة والامن العام. وتثبت صفة المحقق ايضا لضابط الشرطة الذي يعينهم النظام الداخلي المنصوص عليه في المادة «38». فضلا على نص المادة 105 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية: «تتولى النيابة العامة مباشرة الدعوى الجزائية بطلب توقيع العقوبة على المتهمين بالجنايات. ويتولى المحققون مباشرة الدعوى الجزائية بطلب توقيع العقوبة على المتهمين بالجنح وذلك وفقا للمادة 9 من ذات القانون»، ونص المادة 106 اجراءات: «يتولى المحققون مباشرة الدعوى بطلب توقيع العقوبة على المتهمين في جميع الجرائم التي يملكون فيها سلطة التحقيق والتصرف والادعاء وفقا للفقرة الثانية من المادة 9 وذلك طبقا للشروط والاجراءات المنصوص عليها في هذا القانون».
مما مفاده ان هؤلاء المحققين هم وحدهم اصحاب الحق في تمثيل الادعاء العام في مواد الجنح امام محكمة الجنح بعد ان تصرفوا فيها، بإحالتها الى محكمة الجنح المختصة فإذا حل محلهم غيرهم حتى لو كانت النيابة العامة صاحبة الاختصاص الاصيل فإن هذا التمثيل للادعاء امام محكمة الجنح يصبح باطلا ويبطل من بعده تشكيل هذه المحكمة التي اصدرت الحكم باعتباره قد صدر من محكمة غير مشكلة بشكل صحيح وفقا للقواعد المار بيانها، ولا يصحح ذلك العيب الاستناد الى التفويض لبطلانه بخصوص حق الادعاء، الذي لا ينال ما تم في الدعوى من تحقيق وتصرف، وكان الواجب على النيابة العامة بعد قيامها بالتحقيق والتصرف ان تعهد لسلطة التحقيق بالقيام بحق الادعاء قبل المتهم امام محكمة الجنح، وتخلف حضور المحقق صاحب الاختصاص الاصيل عن الحضور وصم الحكم بالبطلان.
متى استقام ذلك وكان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة في الجنح المعروضة والمؤرخ 2 - 9 - 2010/6/30، ان من مثل الادعاء العام فيها امام محكمة الجنح هو السيد وكيل النيابة الاستاذ/ يوسف المقهوي، هو ليس محققا من الادارة العامة للتحقيقات فإن مؤدى ذلك بطلان تشكيل المحكمة بما يستتبعه بطلان الحكم الصادر فيها، ويتعين عدم الاعتداد به واعتباره كأن لم يكن وكان الحكم المتسأنف قد خالف هذا النظر فإنه يكون حريا بالالغاء.
لما كان ذلك وكانت هذه المحكمة لا تستطيع التعرض لموضوع الاتهام والفصل فيه لأن ذلك فضلا على انه يعد اخلالا بمبادئ التقاضي على ثلاث درجات كما سبق القول وهو مبدأ دستوري حافظ عليه المشرع، فإن في ذلك تفويتا لدرجتين من درجات التقاضي على المتهم وهي محكمة الجنح ومحكمة الجنح المستأنفة الامر الذي يتعين معه على هذه المحكمة ان تشمل تمييز الحكم المطعون فيه بإعادة الاوراق لمحكمة اول درجة لنظرها بهيئة مشكلة تشكيلا صحيحا وفقا لقانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية.
السيف: مستعدون لبدء المشوار مجددا
وأين متهمو القضاء بمجاملة الرئيس؟
اعتبر محامي سمو رئيس الوزراء عماد السيف ان «حكم اعادة قضية الفضالة إلى أول درجة يعود لسبب يخص تشكيل المحكمة، وهو حكم جدير بالاحترام».
وقال السيف في تصريح صحافي: «مستعدون لبدء المشوار من جديد، ونحن أمام صدور حكم مماثل أو أشد بحق المتهم إذا أعيدت المحاكمة»، متسائلا «أين الذين اتهموا القضاء بمجاملة سمو الرئيس؟».
الفضالة: انتصار للحق
قال الأمين العام السابق للتحالف الوطني الديموقراطي خالد الفضالة «تشرفت بمثولي امام محكمة التمييز اليوم (امس) والتي قررت الانتصار لحقي في بطلان الادانة الصادرة نتيجة لبطلان الاجراءات المتبعة ضدي من دفاع سمو رئيس مجلس الوزراء امام النيابة العامة والقضاء».
واضاف «كم سعدت بتأسيس مبدأ جديد في حيثيات الحكم الصادر حيث اكد على بطلان التفويض الصادر من وزير الداخلية للنيابة العامة وبالتالي بطلان كافة الاجراءات المتخذة ضدي من سمو رئيس مجلس الوزراء وفريق دفاعه».
كما اعرب عن سعادتي بالفرصة التي سنحت لي مجددا لاثبات براءتي من التهم المنسوبة لي امام محكمة اول درجة مع احتفاظي بحقي في الدفوع القانونية والشكلية بالاضافة لتمتعي بكافة درجات التقاضي، كما اعرب عن استعدادي مجددا للمثول امام قضائنا العادل كما في المرة السابقة والتي نترك لها نظر القضية والفصل فيها بما تملكه من سلطة.
وبالرغم من مما اسسه حكم التمييز ببطلان الادانة الصادرة بحقي فانني اعتبر «ان ما لاقيته من ظلم بحبسي بالسجن هو جزء من ضريبة كفاحنا المستمر لمحاربة الفساد والدفاع عن المكتسبات الدستورية بحماية المال العام والدفاع عن حرية التعبير».
دفاع الفضالة:
محكمة التمييز انتصرت للقانون
استمعت المحكمة لدفاع الطاعن خالد الفضالة الذي حضر أمام المحكمة ومعه هيئة الدفاع عنه والمكونة من المحامين حسين الغريب وبسام العسعوسي وعبدالله الأحمد وحسين العبدالله،حيث أكدت هيئة الدفاع عن الفضالة بطلان حكم محكمة أول درجة وذلك لعدم تشكيل محكمة اول درجة التشكيل القانوني السليم، وذلك لان المعني بالحضور أمام محكمة اول درجة في قضايا الجنح هو ممثل الإدارة العامة للتحقيقات وليس ممثل النيابة العامة، كما طعنت هيئة الدفاع عن الفضالة ببطلان التفويض الصادر من وزير الداخلية للنيابة العامة بشأن السماح للنيابة العامة التحقيق والتصرف والإدعاء في القضية، وذلك لأن قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية أعطى لوزير الداخلية فقط التفويض للنيابة العامة التحقيق والتصرف في قضايا الجنح من دون أحقيتها بسلطة الإدعاء أمام المحاكم.
وبينت هيئة الدفاع في بيان لها أن محكمة التمييز انتصرت أمس للقانون بقضائها بطلان حكم محكمة أول درجة وإعادة الدعوى مرة أخرى أمام محكمة أول درجة، بعد أن يراعي في تنفيذ الإجراءات المنصوص عليها قانونا علاوة على احتفاظ هيئة الدفاع عن خالد الفضالة بباقي أوجه البطلان التي نالت التحقيقات في القضية وصولا إلى سلامة الموقف القانوني لخالد الفضالة.
من جانب آخر إستغربت هيئة الدفاع التصريحات الصادرة بعد حكم محكمة التمييز امس من أن محكمة اول درجة التي سيعاد الأمر إليها ستقضي بإدانة الفضالة مرة أخرى، مطالبة الجميع عدم التدخل بالقضاء أو نسبة أمر له قد يسيء للقضاء.