عبد الرحمن عبد المولى الصلح / لبنان... ومنجم «سان خوان»!

1 يناير 1970 07:22 ص
في 25 يوليو من عام 1969، وفي حُمى وخضم مطالبة الرأي العام الأميركي في الانسحاب من الحرب الفيتنامية، إثر ضربات «الفيتكونغ» المؤلمة، أطلق الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، والذي تولى رئاسة أميركا من عام 1969 ولغاية 1974، في مؤتمر صحافي عُقد في «غوام»، «مبدأ نيسكون» Nixon Doctrine، والذي بموجبه، ينتدب قوى إقليمية، ليس فقط للقيام بالدفاع عن مصالحها، من دون تورط أميركي مباشر، بل أيضاً بالدفاع عن المصالح الأميركية. ولقد أراد الرئيس الأميركي وبموجب المبدأ «النيكسوني»، انتداب أو توكيل، قوة إقليمية لحماية المصالح الأميركية، بالنيابة عن أميركا نفسها وتخفيفاً من تداعيات التدخل الأميركي المباشر. وعليه، فلقد لعبت، مثلاً، التشيلي بقيادة بيونشية والذي أطاح بسلفادور اليندي بتخطيط من المخابرات الأميركية، دور الشرطي الأميركي في أميركا اللاتينية. في الشرق الأوسط، كان هنالك، ولا تزال، إسرائيل، على البحر المتوسط، بالإضافة إلى إيران، والتي أضحت شرطي أميركا في الخليج لحين سقوط الشاه. لم يُثر دور طهران الإقليمي آنذاك حفيظة الدول الخليجية (حتى بعد احتلال الجزر الثلاث الإماراتية من قبل إيران...) لسببين، أولاً لتناغم سياستها مع أميركا، وثانياً، لعدم تدخل الشاه في الشؤون الداخلية لدول الخليج، كما فعلت وتفعل إيران اليوم.

وما أشبه اليوم بالبارحة. فمع تضعضع الموقف الأميركي (أحداث 11/9، الأزمة المالية، استمرار المعارك في أفغانستان، الوضع في العراق وقرار الانسحاب العسكري الهادئ من بلاد الرافدين، تعثر المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين وعدم تجاوب إسرائيل مع الرغبات الأميركية، وغير ذلك...). يلمس المراقب تعاظم دور قوة إقليمية، ليس فقط نتيجة التضعضع المشار إليه أعلاه، بل أيضاً لربما استجابة للسياسة الأميركية، في تجسيد وإبراز دور قوة إقليمية لملء الفراغ، نتيجة الوهن الذي ألّم بالموقف الأميركي.

تبدو إيران اليوم، أفضل مثال على ما تقدم. واللافت أن وطأة نفوذها تزداد في البلدان التي يصفها عالم الاجتماع السويدي جينار ميردال، بالدول الرخوّة (أفغانستان، لبنان، العراق، نموذجاً). فبعد 7 أشهر على الانتخابات العراقية، تم «اختيار» نور المالكي، لترؤس الحكومة العراقية، وهذا «الاختيار» لم يرَ النور إلاّ بمباركة إيرانية أميركية، وبذلك اُستبعدَ إياد علاوي الذي انطلاقاً من شعاره «لن أكون وكيلاً لأحد»، أغضب القوة الاقليمية (إيران)، والقوة العالمية (الولايات المتحدة الأميركية...)، ومن المنتظر أن ينسحب التوافق الأميركي الإيراني على الوضع في أفغانستان، حيث لإيران نفوذ ليس فقط مع الشيعة الأفغان «الهزازة»، بل أيضاً مع «القاعدة» نفسها، فالمعلوم أنّ إيران «تستضيف» عدداً من زعماء «القاعدة» ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، أقرباء لإسامة بن لادن. ومن مؤشرات التوافق الاجتماع الذي عقدته «مجموعة الأزمات الدولية» يوم الاثنين الماضي (18/10/2010) في فيينا والذي حضرّه المبعوث الأميركي في أفغانستان السفير هولبرك إضافة الى ممثلين عن الحكومة الإيرانية لمناقشة الوضع في أفغانستان والسبل الآيلة للوصول الى تسوية ما.

اللافت، أنّ هنالك اتجاها لعقد صفقة ما بين الطرفين الأميركي والإيراني في القضايا التي ترتبط بتواجد جغرافي للطرفين، (العراق وأفغانستان، مثالاً)... الأمر الذي لا ينطبق على لبنان. فهل تظل الساحة اللبنانية تغلي على المرجل، وفي حال الاتفاق، هل يكون لحسابنا أم على حسابنا؟! زيارة السفير الأميركي جيفري فيلتمان إلى بيروت (الأحد 17/10/2010) جاءت وكأنّها ردٌ على زيارة الرئيس الإيراني إلى بيروت، إضافة إلى أنّ تصريحاته توحي، بأنّ الوفاق بين الأميركيين والإيرانيين ليس بالضرورة أن ينسحب على مناطق أخرى. لكن الذي يزيد الوضع تعقيداً في لبنان، هو إصرار دمشق ألا تترُك الساحة اللبنانية لغيرها. وكانت تقارير صحافية أشارّت أنّ دمشق لم تكن مرتاحة لحوار أميركي إيراني يجري «تحت الطاولة»، الأمر الذي أدّى الى تصلب في موقفها تُرجم، مثلاً، في إصدار مذكرات التوقيف بحق 33 شخصية لبنانية! وما يغيظ دمشق، عدم إرسال واشنطن سفيراً لها لدمشق، وهي التي تسعى لإحياء المفاوضات مع إسرائيل ولكن برعاية أميركية.

في الثالث عشر من الشهر الجاري، تنفس العالم الصعداء، حين نجحت السلطات التشيلية في إنقاذ 33 عاملاً احتجزوا لمدة 77 يوماً في قعر منجم «سان خوان» في الصحراء التشيلية، وذلك بواسطة كبسولة «فينكس» الذي تم تصنيعها خصيصاً في تشيلي لرفع العمال من الأعماق. ولقد بقي العمال على قيد الحياة بفضل تضامنهم وعلى القليل من الماء والطعام اللذين كانا يصلان إليهم بواسطة أنبوب صغير. ولا أرى مبالغة في تشبيه لبنان المحتجز منذ أعوام في منجم المصالح الإقليمية مع عمال منجم «سان خوان». الفريق الوحيد أنّ اللبنانيي المحتجزين غير متضامنين وأنّ هنالك فئة منهم تستقوي على الآخرين. لكنّ ما يجمع، أنّه كان لابد من كبسولة لإخراج العمال التشيليين. يبدو أنّ الأمر، ينطبق على لبنان واللبنانيين المحتجزين... فالخلاص مع الأسف، لن يأتي إلاّ عَبر «كبسولة» إقليمية وليست تشيلية طبعاً!



عبد الرحمن عبد المولى الصلح

كاتب لبناني