في محاضرة دار الآثار الإسلامية
محطة / كونيتش: لتصاوير أبي الحسين الصوفي للنجوم ... تأثير في العالم العربي الإسلامي وأوروبا
1 يناير 1970
10:52 ص
ضمن الموسم الثقافي السادس عشر لدار الآثار الإسلامية القى البروفيسور باول كونيتش محاضرة الإثنين الماضي. قدمها باللغة الإنكليزية تحت عنوان صور في السماء تصاوير أبي الحسين الصوفي للنجوم.**
قال فيها: «إذا نظرنا إلى السماء في أيامنا هذه بالعين المجردة، أي من دون المنظار، نرى النجوم كما كان يراها الإنسان منذ بداية اهتمامه بالسماء، من عصر السومريين والبابليين، إلى اليونان والرومان والعرب والمسلمين والأوربيين، إلا أنه في الوقت الحاضر يمنعنا ما يسمى حديثا بـ «التلويث الضوئي»، من النظر إلى السماء بالعين المجردة، وخاصة قرب المدن الكبيرة التي تفيض بكل أنواع الضوء والإنارة. ولا يمكننا على العموم إلا أن نرى نجوما كبيرة من القدرين الأول والثاني فقط، بينما تستر تلك الأضواء المصطنعة النجوم الأصغر من الرؤية».
وعن رؤية النجوم قال: «من الممكن أن يرى المرء بالعين المجردة، في ليلة صافية مظلمة، مابين 5000 6000 نجم، أكثرها طبعا نجوم خفية صغيرة. فالناس منذ أقدم العصور وفي كل الحضارات، يميلون إلى أن يروا في أشكال النجوم صورا للأشياء المعروفة لديهم في بيئة حياتهم. نحن نعرف تلك الأشكال التي وجدت في السماء باسم الصور النجومية، أو كما يقال في الترجمات العربية لكتاب المجسطي لبطليموس، الكوكبات. من الطبيعي أن أشكال النجوم المرئية في السماء أحق إلى إيجاد صور لأنواع مختلفة من الأشياء حسب البيئة والتقاليد الشائعة في كل حضارة. أما تصورنا نحن للسماء وكوكباتها، فاصلها من السومريين والبابليين، فقد نقل الكثير من كوكباتهم إلى اليونان القدماء، حيث اندمجت في الكوكبات الموجودة عندهم. في أواسط القرن الثاني الميلادي، ألف الفلكي اليوناني بطليموس الإسكندراني كتابا كبيرا جامعا في علم الفلك يعرف منذ ترجمته إلى العربية بكتاب المجسطي. ضم بطليموس إلى كتاب المجسطي جداول للكواكب الثابتة سجل فيها 4025 نجما، مع إحداثيات من طول وعرض وقدر مرتبة في 48 كوكبة. وبقي كتاب المجسطي مع جداول الكواكب الثابتة المرجع الرئيسي في علم الفلك لفترة امتدت نحو ألف وخمسمائة سنة، إلى عصر كوبرنيكوس في القرن السادس عشر الميلادي وبداية علم الفلك الحديث الذي وضع الشمس في مركز الكواكب المعروفة إلى ذلك الحين بدلا من الأرض».
وكان الفلكي أبو الحسين عبدالرحمن الصوفي الإيراني (903-986)، الذي ألف بعض الفلكيين قبله ممن لم تحفظ مؤلفاتهم- كتابا خاصا بعلم الكوكبات الثماني والأربعين.
ووصف في كتابه الكوكبات التي أثبتها بطليموس، مع إضافة نقده لكثير مما جاء في المجسطي مبنيا على أرصاده الذاتية، كما وأضاف جداول الكواكب «وهي مبنية كليا على ما جاء في كتاب المجسطي عدا الأقدار»، وصورتين لكل كوكبة، واحدة كما ترى في السماء، وأخرى كما ترى في الكرة السماوية (إلا أنه في الحقيقة، أن هذه الصور كانت انعكاسا لصور في مرآة، لا كما ترى في الكرة فعلا). بقيت فيما بعد الصور التي رسمها الصوفي في كتابه النموذج المتبع عند أكثر الفلكيين العرب والمسلمين في القرون التالية، عندما أرادوا تصوير الكوكبات في كتبهم أو في آلات مثل الكرة السماوية. وقد تبقت إلى الآن أكثر من خمسين مخطوطة لكتابه، ونشر في تحقيق ضعيف في حيدر آباد في الهند سنة 1954م، وأعيد طبعه في بيروت سنة 1981م.
وتناول المحاضر إسهامات الصوفي قائلا: «لم يكن كتاب الصوفي من بين المؤلفات العلمية العربية الكثيرة التي ترجمت إلى اللاتينية في الأندلس من أواخر القرن العاشر إلى القرن الثالث عشر الميلادي. ولكن، مع ذلك أصبحت تصاوير الصوفي للكوكبات معروفة في أوروبا أيضا. فقد ألفت على ما يبدو في صقلية، في القرن الثالث عشر الميلادي، مجموعة فلكية نعرف لها الآن تسع مخطوطات. تضم هذه المجموعة جداول الكواكب الواردة في كتاب المجسطي في ترجمتها اللاتينية، وصورة واحدة لكل كوكبة مأخوذة عن كتاب الصوفي، وبعض النصوص الفلكية الأخرى من الروايات القريبة».
كان بذلك لكتاب الصوفي ولتصاويره للكوكبات تأثير كبير عبر القرون في العالم العربي الإسلامي كما في أوروبا أيضا.
وختم المحاضر قائلا: «ولكن في القرن السادس عشر الميلادي، تعرف الفلكي الألماني بيتر آبيان (المتوفى سنة 1552م) بطريقة ما على كتاب الصوفي. ترجم له شخص مجهول يجيد العربية جزءا من الفصول الأولى من الكتاب. وتعرف آبيان بذلك على بعض أسماء النجوم العربية القديمة التي بالطبع بدت له غريبة للغاية، ذكرها في بعض مؤلفاته. وعلاوة على ذلك، رسمها كصورة حقيقية كاملة في خريطة سماوية طبعت مرتين في كتابين له صدر كلاهما في نفس سنة 1533».