لأنه وكيل الإمام السيد علي السيستاني في الكويت فإن السيد ابو القاسم الديباجي خير من ينقل لنا تفاصيل ودقائق الامور المتعلقة بحياة الامام، لا سيما في الآونة الاخيرة التي زاد فيها اللغط وكثر الجدل حول عدم ظهوره بوسائل الاعلام.
من هذه النقطة انطلقنا بالحوار مع الديباجي ليرد على التساؤلات ويدحض التكهنات التي طالت شخصيته.
ويقول السيد الديباجي في حواره مع «الراي» ان «الامام لا يحب الظهور امام وسائل الاعلام بطبعه ونهجه كنهج من سبقوه من المراجع العظام وهو سار على دربهم، يعمل في صمت وينجز في هدوء لا يسعى إلى البهرجة والشهرة على حساب متطلبات واجباته» مشيرا إلى ان الامام لديه الكثير من الوكلاء الذين ينتشرون في العراق والبقاع المختلفة يتقصون له الاخبار وينقلونها له لمراجعتها بدقة واتخاذ ما يلزم.
ونوه الديباجي «بمساحة الحرية والديموقراطية التي تتمتع بها الكويت خصوصا تعاملها مع شيعتها ويتضح ذلك من عدد الحسينيات المنتشرة في كل مكان من الكويت» منوها ان مساحة الحرية التي تفسحها الكويت في مجال ابداء الرأي والرأي الآخر، خصوصا في الامور العقائدية قلما تجد دولة اخرى تنافسها في هذا المجال.
وفيما يلي تفاصيل الحوار:
• بصفتكم وكيل السيد علي السيستاني في الكويت. هل يمكن لسماحتكم ان تبين لنا السبب الذي يدعو إلى عدم ظهور السيد السيستاني امام وسائل الاعلام؟
- من المعروف ان من شروط المراجع الدينية الشيعية من كان من الفقهاء حافظا لدينه، مخالفا لهواه مطيعا لأم مولاه على العوام ان يقلدوه. هذا الشرط هو احد الشروط التي يجب ان تتوافر في اي مرجع فقيه فلا بد ان يكون منزها عن الهوى لا يحب الظهور ولا يبغي شهرة وسمعة، وعلى هذا يمكن لأي شخص ان يقيم مدى ابعاد تقوى الشخص البعيد عن تأثيرات وسائل الاعلام المتنوعة التي تتلاعب بعض الاحيان في عواطف البشر على النقيض من ذلك هناك افراد يستغلون اي مناسبة لكي يظهروا ويتحدثوا في مناسبة ودون مناسبة المهم ان تظهر صورته وتنقلها وسائل الاعلام هنا، عليك ان تتيقن ان هذا الفرد يخلو من التقوى وغارق في الهوى والسمعة وملذات الشهرة والبهرجة التي تتنافى مع قيم التقوى الموجودة في شروط المرجعية العليا التي تهتم بعمل ومسيرة المرجع التي هي بمثابة مدرسة من خلالها يثقف ويوعي الناس امور التقوى في الجوانب العملية، لان الذي يحدث وبكل اسف خلال هذه الايام نسمع كلاما كثيرا تنوعه وسائل الاعلام دون عمل فعلي وحقيقي، فالامام الصادق عليه السلام قال: «كونوا دعاة الناس بغير السنتكم... أي بعملكم». والامام السيستاني سار على درب من سبقوه من مراجع التقليد والعلماء في حوزة النجف الأشرف، فهم كانوا لا يحبذون الظهور وطرح اسمائهم في كل مناسبة، ولعلمكم ان الامام السيستاني حفظه الله هو بنفسه أمر بإخراج صوره من كل الدوائر الحكومية في العراق، هذا يعتبر في حد ذاته منهجا يعلم الناس مسألة التقوى ومخالفة اهواء النفس، ودائما ما يردد الامام «إذا اراد الشخص ان يخدم رب العالمين لابد ان يكون عمله خالصا لوجه الله سبحانه وتعالى»، ومن هنا يمكن ان نستخلص الرد على سؤالكم بان الامام يعمل في صمت لكي يستفيد الكل من عمله بعيدا عن تأثيرات وسائل الاعلام المختلفة.
• ولكن في بعض الأحيان تسهل هذه الوسائل الاعلامية في نقل ما يريد الامام ايصاله إلى جميع الناس؟
- صحيح لا أحد يستطيع اغفال دور وسائل الاعلام الحيوي في نقل رسائل الامام وقت احداث الفتنة التي كانت على وشك ان تدب بين طوائف الشعب العراقي وسائر الشعوب الاسلامية، وبالاخص الشعب الكويتي وما أحدثته من عامل تهدئة بعد ايصال ونقل رسائل الامام إلى ابناء الشعب العراقي، ولكن ليس شرطا ان يظهر الامام بنفسه إلى العلن، فلديه الكثير من ينوبون عنه في تولي المهمة في ايصال هذه الرسائل، والدليل ان سماحة الامام لا يوجد لديه مكتب الا في ايران.
• عملية انتقال المرجعية كيف تتم، وهل لوسائل الإعلام دور في هذه المسألة؟
- عملية انتقال المرجعية من مرجع بعد وفاة مرجع تتم في سهولة ويسر دون ترتيب الاسباب والمسببات، وعلى سبيل المثال عندما تولى الامام السيستاني امور المرجعية بعد الامام الخوئي بفترة قصيرة اخذ العلماء بمرجعيته وأصبح مرجعا عالميا بعد الامام الخوئي، وخلال اسابيع عدة ودون وسائل اعلام او ترتيب الاسباب كما ذكرت سالفا سخر المولى عز وجل للامام السيستاني القلوب «ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا»، على الرغم من المحاولات الكثيرة لبعض الجماعات جمع الاسباب والمسببات، وصرف الاموال، لكن كل هذه الامور تلاشت لان المولى عز وجل سخر الافئدة لمرجعية هذا الإمام.
• منذ متى كانت المرجعية طريحة الحوزة، ان صح التعبير لا تنزل إلى الشارع لترى هموم المواطنين؟
- هنا لابد ان اوضح لكم انه لا يمكن للشخص المتمثل في المرجع ان يخرج إلى الشارع، وان كنا نريد ان نعبر عن الشارع فلنفترض مثلا الشارع العراقي، انظروا إلى مشاغل ومهام الامام استفتاءات، جلسات، محاضرات علمية، زيارة ومراجعة العلماء، معنى الشارع وتلمس ما يدور فيه... ليس بالشرط ان ينزل الامام إلى الشارع ويبحث عن اوضاعه، فالامام عنده وكلاء ثقات رباهم، يطمئن لعملهم في بقاع مختلفة من العالم، وهكذا العراق وكلاؤه موجودون في كل مكان يطلعون على الاخبار السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية كافة وحتى على اوضاع الناس المعيشية ينقلونها للامام اولا بأول، ونفس الطريقة تنطبق على بقية الوكلاء المنتشرين حول العالم، فأنا حاليا وكيل الامام السيستاني في الكويت بعد الامام الخوئي ومن وظائفي اخبار الامام بآخر تطورات الساحة.
وعلى هذا يمكن القول ان الامام له في الشارع اكثر من شارع، فهو يقرأ جميع التقارير التي ترد اليه بدقة ويطلع على آخر أخبار الساحة، ويهتم بذلك اهتماما عجيبا ليس له نظير في العالم.
• هل السيد السيستاني هو الأعلم بين مراجع الشيعة؟ وان كان كذلك ما الدليل؟
- لابد هنا ان يعرف الجميع ان المرجع الشيعي ليس هو الذي يرشح نفسه لهذا المنصب او جماعة يرشحون شخصا هو صاحب او قريب لهم، لكن مسألة المرجعية كما في الحوزة العلمية. المرجع يدرس لتلاميذة القريبين من مرحلة الاجتهاد، وخلال هذه السنوات التي يدرس فيها يبرز علمه وفقهه وعمق دقته في الفقه والاصول واستنباط الاحكام والادلة الشرعية، وهنا يجب ان اوضح لكم ان ربما سنوات التدريس تصل في بعض الاحيان إلى 20 او 25 او 30 سنة فقط. المرجع يدرس وكأنه استاذ حتى يصبح التلاميذة الذين كان يدرسهم مجتهدين ومن ثم ينشرون ويعلنون في بلدانهم بعد عودتهم بأعلمية هذا الاستاذ الذي يصبح فيما بعد مرجعا يمتلك نواصي الامور العلمية بشهادة العلماء والفقهاء. ونحن نقول كما قال الجميع بأعلمية الامام السيستاني واحقيته في الاعلمية التي اثبتها بعلومه وفقهه.
• هل للمرجعية مراتب او مراحل قبل الوصول لها؟
- نعم للمرجعية مراتب ومراحل تبدأ من مرحلة المجتهد المستجزي الذي لديه المام ببعض الابواب الفقهية ويمكنه من خلالها استنباط الاحكام تليها المرحلة الثانية وهي المجتهد المطلق التي تبدأ من الطهارة إلى الحدود والديات وتشمل كل الابواب الفقهية، فهذا المجتهد المطلق لابد ان تتوافر فيه ملكة الاجتهاد واستنباط الاحكام في كل الابواب الفقهية ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي المرجعية وكما ذكرت لكم سالفا ان المرجع عليه ان يثبت ويبين شخصيته الفقهية بالادلة في الحوزات العلمية واخيرا تأتي مرحلة الاعلمية، بمعنى ان هذا المرجع اعلم المراجع وهناك امور كثيرة تحدد هذه الاعلمية شهادات العلماء تقواه، ابتعادة عن الاهواء، سيرته العملية وغيرها من الامور الاخرى المتعارف عليها.
• يطرح العديد من المحللين والمراقبين ان السيد السيستاني ايراني، وكل مايقوم به في العراق يصب في خدمة ايران إلى اي مدى هذا الكلام صحيحا؟
- هذه قضية قياساتها معروفة، فالمرجعية العليا شأنها فوق الحكومات والعلاقات والديبلوماسيات والحدود، وطرح هذا السؤال بأن المرجعية العليا ممثلة في الامام السيستاني تتجه او تميل ناحية كذا او كذا غير صحيح وانما ملاكة الحق لانه هو المسؤول امام الله، وشأنه فوق مثل هذه الامور، فهو والد حنون للجميع اذا كان الشيء حقا يدافع عنه واذا كان باطلا يقول باطل كما فعل الامام الخوئي في النجف الاشرف ايام الغزو العراقي على الكويت اصدر فتوى في وقت القدرة الصدامية بأنه «لايجوز شراء الاشياء التي جلبها الغزاة من الكويت» وهذا دليل يؤكد ان المرجع ملاكه الحق ولاشيء اخر.
• موضوع تقسيم العراق مايلبس ان يغيب لفترة عن الساحة ويعود بقوة الحديث عنه، مارأى سماحتكم في موضوع التقسيم؟
- اقولها كما يرددها كل عراقي غيور على العراق ان اي شخص يدفع في هذا الاتجاة، «التجزئة» ليس بعراقي بل هو عدو بلاد الرافدين التي عاشت موحدة سنية وشيعية وكردية وتركمان عراق واحد ينبض بالمودة والحب، اهله تجمعهم كلمة لاإله إلا الله محمد رسول الله... وهنا لا ننسى الدور الكبير الذي يقوم به المرجع الامام علي السيستاني في هذا الاطار والجهود التي يبذلها في سبيل وحدة العراق ودعوتهم إلى التضامن والتكاتف في وجه الطامعين في ثروات العراق، فهو بمثابة صمام امان يحفظ العراق من المخاطر التي تحيق به من كل جنب، لاسيما في الوقت الراهن.
• مضى على اقامة سماحتكم في الكويت اكثر من ربع قرن، فكيف تقيمون اوضاع الشيعة هنا؟
- كما ذكرت اقامتي هنا شارفت على ربع قرن ان لم تخوني الذاكرة فربما اكثر خلال هذه السنوات والحمد لله نقوم بإعطاء دروس ليلية في علوم مختلفة سواء في الفلسفة او الفرقان والفقه والاصول والتفسير وغيرها من بقية العلوم ولم نشعر يوما ما بأي شيء غير طبيعي ولم تصادفنا اي ضغوطات من قبل الجهات المختصة، بالعكس اشعر بالحرية الكاملة في تبين الرأي والعقائد الاستدالية الدينية الصحيحية، والكويت دولة ديموقراطية قل نظيرها تفسح مجال الحريات لجميع الطوائف دون تفرقة او تمييز، وندعو لها دائما ان تظل بلدا امنا مطمئنا... وجريدتكم وبقية الصحف تمثل اكبر دليل علىان الحرية مكفولة لجميع الاراء والعقائد والافكار في هذا البلد، هذا شيء والشيء الاخر انظروا إلى عدد الحسينيات في الكويت بالنسبة إلى عدد السكان فهي منتشرة في كل مكان تطرح ما تشاء وتنافش ما تريد في حدود ما تسمح به القوانين دون تدخل فلان وفلان.
• اثناء الغزو الصدامي على الكويت وفي اول ايامه تعرض مسجدكم «زين العابدين» ومنزل سماحتكم للنهب والسرقة والتخريب في رأيك لماذا تعرض مسجدكم في البداية لهذه العمليات؟
- مسجدنا مسجد جامع له نشاطات عدة دينية متنوعة... الشباب الذين تربوا في هذا المسجد شباب متدينون وموالون ومتفانون في حب الوطن، ولان مسجدنا كان اول مراكز المقاومة المنظمة ضد الغزو الصدامي لم يتحمل البعثيون وجلاوزتهم هذا الوضع وهجموا عليه للامساك بالشباب المقاومين وفعلوا مافعلوا بمحتويات وممتلكات المسجد ومنزلي، بعثروا كل شيء وخربوا اثاثه ولكن الحمد لله لم اكن موجودا داخل المنزل وقت الهجوم وإلا ما كنت موجودا الان بين يديك اجري هذا الحوار، والامر العجيب حتى الكتب لم تسلم من هذا الغزو الغريب.
• سبق لسماحتكم زيارة مصر ووقفتم على وضع الشيعة في هذ البلد، فماذا ترى في التقدير الاخير الذي اصدره الاتحاد الاوروبي وانتقد فيه وضع الاقليات في مصر؟
- دون ادنى مجاملة عندما زرت مصر اعجبني مدى الحب والتفاهم الذي يجمع اطياف المجتمع المصري «ادخلوا مصر ان شاء الله امنين» ومدى تداخل النسيج الوطني الذي يصبغه النيل بصبغة الوحدة فلا تشعر ان هذا سني او شيعي او مسيحي، فهناك مقامات آل البيت عامرة بمحبيهم تهوى إليها القلوب من كل حدب وصوب، والناس هناك تتسامر وتتناقش في الامور العقائدية بكل حرية ودون تعصب لانهم يعلمون في النهاية انهم مسلمون وان كان هناك اختلاف في الفروع، وندعوا من يكتبون وينقلون التقارير مراعاة الامانة في نقل الحدث.