| ابتسام السيار |
عادة في منتصف كل اسبوع اخصص يوما لشراء ما يلزمني من ملابس، بعيدا عن زحمة المجمعات في اجازة نهاية كل اسبوع، وبينما كنت منشغلة في اختيارالملابس شدني صوت حاد لأم** تفرض على ابنتها التي تبلغ من العمر السابعة عشر تقريبا، شراء قميص للمدرسة قائلة: «اللي اقولج عليه يمشي فاهمة»، خجلت الفتاة واخذت تراقب خفية من حولها وبصوت منخفض ردت قائلة: «يمه مو عاجبني»: «طول عمرج غبية وما تفهمين»، فبكت وخرجت مستسلمة لامرها... وهنا تذكرت المشاكل التي تصلني على بريدي الالكترونى لباب تحت العشرين مشاكل وحلول، هي لفتيات وفتيان دون العشرين يشكون من والديهم «اهلنا ما يفهمونا»،أما الفتيات خاصة فيرددن «أمي مو فاهمتني أمي ما تبيني»، «أمي عصبية، مالها خلق»، وهنا نقول كيف تكون الأم صديقة لابنتها؟ والعكس صحيح كيف أجعل من ابنتي صديقة؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ان الله يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بالاقرب فالاقرب»، ان كل ام تقوم بمسؤوليتها التربوية تجاه الابناء انما هي نموذج مشرق يضيئ سماء الحضارة، وما اكثر هؤلاء الامهات والمسؤولية التربوية للأبناء، لا تنفصل عن المسؤولية تجاه الاسرة ككل وان كانت هي الجانب الرئيسي في دور الام، وتعتمد على ما لديها من صلاح ووعي بكيفية واهمية تربية الابناء، بحيث ينفعون انفسهم واسرتهم ومجتمعهم.
ونخص هنا «البنت»... فهي تحتاج الى امها في تكوينها الفطري المتشابه معها، فتريدها مصدرا للعواطف وللإرشاد وايضا مصدرا للصداقة ومتعة الحوار فتريدها قريبة تشاركها الهوايات، وتريدها قاضية في امورها الصعبة وتريدها باحثة في مشكلاتها وتريدها مدرسة في دراستها وتريد وتريد انها تريدها اما تلجأ اليها بعد الله تعالى في كل صغيرة وكبيرة، يمتعها النظر اليها والجلوس معها والاحتكام بعقلها النصوح وقلبها المحب، فالأم أمة بأسرها لابنائها ومحظوظة من عرفت قيمتها كأم عند ابنتها... فمثلا تشاركها في هواياتها وتأخذها معها في زياراتها، وتجعل منها سكرتيرة خاصة بشؤونها... فالأم واحدة وحبها وحيد لا يضاهيه حب آخر، وتملك عقلا نصوحا لا يضاهيه عقل بشري آخر، ومع كل هذا الحب الا انها تحتاج الى لسان يعبر عن هذه النوايا الوجدانية والذهنية الرائعة، ليصل بها الى عقل وقلب الابنة في صورة حوار جميل ممتع، واكثر ما نفتقر اليه في علاقاتنا مع بناتنا الى تقنية الحوار المتقن لايصال ما نكنه لهم من حب وعلم، لكن في كثير من الاحيان نفشل في ذلك وتغرق المعلومة في بحر الاختلاف قبل ان تصل الى باب عقل الابنة، والعلاج هنا كيف نتعلم لغة الحوار مع الابنة؟ الاجابة هي ان نختار وقتا لا تكون فيه الفتاة متعبة او جائعة او يغلبها النعاس، المكان المريح والزمن المناسب، ان تستمع اكثر مما تتكلم ولا تستأثر الحديث، فالأثر بالحديث آفة قبيحة والمستمع الجيد هو المحاور الناجح... وان تكون الام تملك تقنية الحوار ومتمكنة من قدرتها العلمية في مناقشة المواضيع، «ان تبدأ بنقاط الاتفاق وحذارٍ ان تستدرجِ محاورك الى كلمة...لا، وان تجعليها تبدأ بالحوار لتتعرفي على شخصيتها واسلوبها في الحوار هل هي عاطفية ام عقلانية واستخدمي امثلة لتيسير الفهم ولا تخجلي من قول... لا اعلم، في مسألة لا تعلمينها،اجعلي الصدق اساس الحوار لانه أقصر الطرق الى النجاح، لا تغضبي اثناء الحوار حتى لا تخسري الاقناع، واعلمي ان الصبر من اساليب الحوار الجيد فالغضب هو الكمين الفتاك لمنع معلوماتك من ان تصل، ابتسمي اثناء حوارك لتكوني مصدر ثقة فتكسبينها وتمتلكي قلبها. ومن الاساليب الرائعة التي يمكن ان تكون صاروخا يحمل معلوماتك ويغزو عقل ابنتك بلحظات، هو اسلوب العاطفة انه الحب الذي يحمله اللسان ويعبر عن مستخرجاته مثل «يا قلبي حياتي... انا فخورة بك... يا اغلي الناس».
والمشهد الذي رأيته يشير الى ابتعاد الام عن ابنتها، وبذلك تكون فاجعة اجتماعية، حيث ضعفت الرابطة بين الام ووريثتها وفقدت عقلا مخلصا نصوح، قد يؤدي البعد عنه الى استبداله بعقل صديقة سيئ يساعدها على الانحراف الفكري، ثم السلوكي، وتتباعد المسافات الذهنية ويصعب الاتصال الفكري، وتفقد البنت قلبا محبا لا تجد له بديلا... فابتعادها يؤدي الى بوادر القطيعة المستقلبية، فاذا لم تقترب الام من ابنتها في الصغر تعلمها وتدربها، فقد تجني الام مضارا في الدنيا هي ثمرة بعدها عن ابنتها!
[email protected]< p>