قال ملك لأحد وزارئه يمتحنه: ما خير ما يرزق العبد؟ قال: عقل يعيش به. قال: فإن عدمه؟ قال: فأدب يتحلى به. قال: فإن عدمه؟ قال: فمال يستره. قال: فإن عدمه؟ قال: فصاعقة تحرقه فتريح منه العباد والبلاد.
العقل نعمة كبرى، ومن دونه نرى الحق باطلاً والباطل حقاً، نرى الأحداث تسير باتجاه اليمين، ونصر ونؤكد أنها اتجهت مسرعة إلى جهة اليسار، وندافع عن وجهة نظرنا مستدلين بالآيات والأحاديث والعقل والمنطق، ولكنه العقل والمنطق الأعرج الأعوج الأعور، الذي لا يرى إلا ما تفرح به عيناه، ولا يسمع من الحجج والدلائل والبراهين إلا ما تطرب له أذناه، عقل فَقَد أبجديات المنطق عندما تشوه بشوائب حزبية ضيقة، وطائفية نتنة، وفئوية بغيضة، وحشر نفسه في دائرة ضيقة لا يتحرك إلا فيها، حارماً نفسه من خير كثير.
الأدب والأخلاق زينة الإنسان، وما قيمة العلم والشهادة والمنصب والجاه والمال بلا أدب أو أخلاق، وما قيمة المرء والكل يتحاشى القرب منه لسوء طبعه، ولسانه البذيء الذي يحفظ مصطلحات قلة الذوق واحترام الآخرين، وصدق الشاعر عندما قال:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
فلم يبقى إلا صورة اللحم والدم
فإن فقد المرء العقل والحكمة والأدب والأخلاق العالية، فالمال وقتها سيكون سيد الموقف، وبه يستطيع الإنسان أن يستر ما تبقى من عورته، وكما قال الشافعي:
وإن كثرت عيوبك في البرايا
وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب
يغطيه كما قيل السخاء
فإن فقد كل تلك المقومات، فلا عقل أو حكمة، بل تهور وطيش وخفة عقل، وهرولة وراء كل ناعق وزاعق، والدخول في مجادلات ومهاترات لا تغني ولا تسمن من جوع، أضف إلى ذلك لسان تشرب نقل الأحاديث والغيبة والنميمة، وسلوك لا يبالي في إيذاء الآخرين بالقول والفعل والكتابة، دون مراعاة للذوق العام أو الخاص، وفوق ذلك وذاك بخل في المال وبخل في المشاعر وبخل في كل ما يمكن أن يبذله الإنسان، حتى يمسي أرضاً جدباء، لا نفع فيها يرجى للقريب أو للبعيد. هنا يكون باطن الأرض خيرا للمرء من ظاهرها!
ترى كم صاعقة نحتاج حتى ترتاح البلاد والعباد؟ فكروا وراسلوني.
د. عبداللطيف الصريخ
كاتب كويتي
[email protected]