فهيد البصيري / كيف نفهم الفتاوى المتناقضة؟

1 يناير 1970 04:29 ص
الحياة متجددة ومستمرة، وستستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولأن هذه هي سنة الحياة فإننا سوف نصطدم في كل يوم بأمر جديد، سواء كان هذا الجديد سيئاً أم حسناً، مفيداً كان أم ضاراً، ففي أيام الدولة العثمانية وتقريباً في القرن السادس عشر، ظهرت القهوة كمشروب جديد لم يألفه المسلمون، وانتشرت المقاهي في مكة المكرمة، ولما صار (خيري بيك) والياً على مكة في تلك الفترة السحيقة، استفتى الفقهاء في مصر، وافتوا له بحرمة شرب القهوة، لاعتقادهم أنها رجس من عمل الشيطان، والغريبة أنهم أجمعوا على تكفير من يتعاطها، وبالفعل أقام (خيري بيك) الحد على عدد منهم، ولطخت وجوه الآثمين بالقار، وطافوا بهم في أزقة مكة ليكونوا عبرة لمن يعتبر، وفي الشام قام الولاة هناك بعمل (كبسات) على المقاهي التي كانت تدار بسرية تامة، وقبضوا على شاربي القهوة، وشهروا ببعضهم ونفي البعض الاخر، ورافق تلك الحملات الكثير من الفتاوى، وألفت الكتب في التدليل على حرمة القهوة، ولكنه لا يصح إلا الصحيح، وبفضل شجاعة بعض الفقهاء تم تحليل القهوة بعد قرن من الزمان، وبعد أن راح ضحيتها الكثيرون، وعندما اخترعت الآلة الطابعة في أوائل القرن السابع عشر، قام فقهاء الدولة العثمانية بتحريمها بحجة أن حبرها يحتوي على دم الخنزير، وتركهم العالم واستفاد منها المسيحيون في طابعة الإنجيل وكتبهم الدينية والكثير من العلوم التي تزخر بها أديرتهم، وبقيت الأمة الإسلامية على حالها ولم يبح استعمالها إلا بعد ذلك بقرون طويلة من الزمن.

والخوض في المسائل الدينية من المحظورات على دهماء الناس أو العامة وأنا وحتى أنت منهم بالتأكيد، فالمفروض ألا يخوض في هذه المسائل إلا الراسخون في العلم، وقد استغلت القوى السياسية الحاكمة، وعلى امتداد التاريخ الإسلامي هذا الحظر لتوجيه الرأي العام لشعوبها حيثما أرادت، وكان السلاح السحرى لتطويع الناس هو التحليل والتحريم عن طريق الافتاء لمعرفتهم بمدى تأثير الدين على سلوك الشعوب وما زال هذا السلاح فعالاً إلي يومنا الحاضر.

وخلال مرحلة احتلال الكويت كثرت الفتاوى فمنها ما حرم قتال العراقيين كونهم مسلمين! ومنها ما حرم غزو العراق للكويت، ولكن الموضوع تطور ففي أحد الأيام تم توزيع منشورات على السكان المتواجدين في الكويت إبان الإحتلال ولسوء حظي فقد كنت منهم وكتب في المنشور حديثاً منسوباً كذباً للرسول صلى الله عليه وسلم ويقول الحديث عن فلان عن فلان عن فلان (لا اذكر الرواة) عن النبي محمد! أنه سيأتي في آخر الزمان جند من بني الأصفر وبني الأحمر ويخرج لهم في البيداء رجل اسمه صادم! فيبيدهم وقالوا متى يا رسول الله قال بين جمادى ورجب وسترون العجب!

وحاشى للرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول مثل هذا الحديث وهو حديث ثبت كذبه بعد هزيمة صدام، ولكني وجدت لهذا الحديث جذورا في تراثنا العربي فبعد عشرين عاماً من تلك الحادثة اكتشفت أن هذا الحديث موجود ومنذ 100 عام ويمكن أكثر، فقد قرأت ما يشبه هذا الحديث في مذكرات أحد الرحالة الأجانب الذي نقله على ألسنة عرب الجزيرة في بداية القرن العشرين ولكن دون ذكر لصدام هذه المرة.

لذا لم يكن غريباً أن يفتي أحد المشايخ بإرضاع الكبير، وليس غريباً أن يكون هناك فتوى بتحليل (زواج المسيار) وتحليل (زواج فرند)، وبتحريم الغناء عموماً ثم بتحليل غناء المرأة، وليس غريباً أن نختلف باسم الإسلام نفسه! ما دمنا نجتر تراثنا دون وعي ونعود أبناءنا على بلعه دون أن نسمح لهم بشربة ماء.



فهيد البصيري

Albus.fahad @hotmail.com