استكمالا لما بدأناه من نقاش حول اسباب نشوء بعض الفتن في الكويت وتعكيرها للجو العام، وما ينتج عنه من مشاحنات بين ابناء البلد طائفية وقبلية وفئوية، اذكر بعض الامور وهي لاشك بانها اجتهادية وقد لا تمثل المظاهر الحقيقية:
أولا: المجتمع الكويتي من اكثر المجتمعات انفتاحا على العالم، ويتأثر بكل ما يحدث في الخارج، كما انه مجتمع في طور النمو والانصهار بين مكوناته المتباينة، وهذا النمو والانصهار قد يسبب بعض الهزات والاضطرابات الطبيعية.
ثانيا: شاهدنا حجم تأثر المجتمع بقضايا العالم العربي والاسلامي وتفاعله معها، ففترة الستينات والسبعينات كانت فترة المد القومي والاشتراكي، وتأثر كثير من الكويتيين بتلك التيارات ونقلها إلى الكويت، وتكونت الاحزاب المرادفة للاحزاب العربية من بعثية وناصرية وقومية واشتراكية وكان لها دور فاعل في المجتمع الكويتي.
وكان لانكشاف ذلك المد الطاغي والهزائم العربية تأثير كبير في انحسار تلك الافكار وتخلي الشعب الكويتي ناهيك عن قيادات تلك الاحزاب عنها.
ثالثا: شهدت فترة السبعينات هجرة كبيرة لابناء بعض القبائل إلى الكويت، وكان هنالك فرز واضح ما بين الحضر والقبائل، ثم بدأ كثير من ابناء القبائل في الذوبان في النسيج الكويتي والاندماج عن طريق المصاهرة والسكن وغيرها، ولولا تدخل اطراف ترى من مصلحتها بقاء ذلك الفرز لتحقيق مصالح من وراء دعم الآخرين لها، لذابت تلك الفوارق سريعا.
رابعا: انتشر التيار الاسلامي مع بداية الخمسينات وبلغ اوج انتشاره في الثمانينات والتسعينات، وقد ساعدته عوامل عدة على الانتشار منها ارتباطه بعلماء الكويت الاصليين الذين يجدون القبول من الناس، ومنها انسجامه مع توجهات غالبية الشعب، ومنها انتقال كثير من الدعاة والمشايخ من دولهم العربية إلى الكويت بعد اضطهادهم فيها، وكان للحكومة دور كبير في تشجيع التيار الاسلامي لانها كانت ترى في المد القومي والاشتراكي عدوها الحقيقي.
لكن التيار الاسلامي لم يسلم من دخول افكار وآراء منحرفة فيه استوردها من الخارج، لكنه كان سريعا ما ينفي ذلك الخبث ويصحح مسيرته، كما انه دائم النقد والتعديل لمساره يقابله زيادة اتجاه المجتمع الكويتي إلى التدين المنفتح، واستطيع القول بان المجتمع الكويتي قد استوعب التيار الاسلامي وعمل على تكويته.
خامسا: لاشك ان التيار التكفيري بالرغم من قلة اتباعه في العالم لكنه كان له تأثير جارف على الشباب المتحمس الجاهل بدينه، ومع ان كثيرا من الشباب في البلدان الاسلامية قد تحمس لذلك التيار وسانده، لكنه لم يجد له اي موطئ قدم في الكويت - اللهم في حالات قليلة - والسبب بعد فضل الله تعالى هو في انتشار المد الاسلامي الوسطي ومجاهرته بالحرب على الافكار التكفيرية وكذلك طبيعة الشعب الكويتي الذي يرفض العنف والتعصب وينعم بالحرية.
سادسا: كان لثورة الخميني في نهاية السبعينات من القرن الماضي تأثير مزلزل على المنطقة، فهي لم تكتف بالافكار التي طرحتها ولكنها استخدمت العنف في سبيل ايصالها إلى العالم لاسيما الجيران، وانساق وراءها كثير من الشباب المتحمس في جميع البلدان، كذلك فإن هذه الثورة كان لها امتداد فارسي قوي مما افزع الكثيرين عن الاهداف التي ترمي إلى نشرها.
ولاشك ان غالبية اهل الكويت من السنة والشيعة لم ينجرفوا وراء الثورة الخمينية وقد حافظ الشيعة على مرجعياتهم، الا ان كثيرا من الافكار المتعصبة قد دخلت عن طريق مرجعيات تلك الثورة وساهمت في تعكير الاجواء، يساندها بعض المدارس الاخرى المتعصبة مثلما شاهدنا في حالة ياسر الحبيب.
ولاشك ان الانكماش الفكري للثورة الخمينية وتخلي كثير من اتباعها عنها لاسيما في ايران، قد اضعف من تأثيرها على اهل الكويت، لكن تأثيرها السياسي وتغلغلها في كثير من البلدان مثل العراق وسورية ولبنان يجعل نفوذها يبقى مسيطرا وقويا.
وللحديث بقية باذن الله.
د. وائل الحساوي
[email protected]