من روائع العمارة الإسلامية
التكية السليمانية بدمشق
1 يناير 1970
02:41 م
| المهندس جادالله فرحات*|
التكية السليمانية بناء ضخم في مدينة دمشق يتألف من عدد من المباني المستقلة، يحيط بها جميعاً سور مرتفع أبعاده 125×94م، ومدخل التكية الرئيسي يقع في الشمال، تعلوه قبة محمولة على أعمدة، وثمة باب أصبح أكثر استعمالاً ينفتح من الغرب، مخترقاً الصحن ومتصلاً بباب آخر ينفتح على السوق والمدرسة، ولقد غطت الحدائق والأشجار جميع الفراغات بين الأبنية التي تتقدمها أروقة مسقوفة بقباب منخفضة وخلفها قاعات مسقوفة بقباب مماثلة أكثر ارتفاعاً يتخللها ذؤابات المداخن على شكل مآذن صغيرة ويبدو المشهد رائعاً عندما يتناغم شكل القباب، مع شكل الأقواس فوق أعمدة الأروقة في جميع الأبنية التي كانت تستعمل لايواء المصلين والمتعلمين ولاطعامهم، وجميع الأبنية الواقعة في القسم الشمالي تؤكد هذه الوظائف التي ألغيت الآن.
أما المسجد فيقع في منتصف القسم القبلي أي الجنوبي من الصحن، وهو حرم، وصحن هو صحن التكية المشترك، وهذا الحرم مربع الشكل طول ضلعه ستة عشر متراً تغطيه قبه عالية ذات قطر واسع ذات عنق مؤلف من عدد من النوافذ ذات الزجاج المعشق ويحمل القبة أربعة أقواس محمولة على أركان الجدران في زواياها مثلثات كروية، ويعلو جدران الحرم نوافذ كانت محلاة بالمعشق، أما واجهات الحرم من الخارج فهي مؤلفة من مداميك من الحجر الأبيض والأسود بشكل متناوب، وهو طابع جميع جدران هذه التكية، ولهل هذا التشكيل البديع كان مطابقاً لتشكيل المباني المملوكية، وبخاصة قصر الأبلق الذي كان قد أنشأه الملك الظاهر بيبرس، وكان السلطان سليمان قد أعاد استعمال حجارته في نفس موقع التكية. لقد أشرف على بناء هذه التكية الرائعة المهندس الدمشقي العطار، ولكن تصميم البناء يعود الى المعمار الشهير سنان آغا الذي رافق السلطان سليم في زيارته الى بلاد الشام ومصر عند الفتح العثماني.
ويبدو تأثير المعمار سنان آغا واضحاً في كل القباب وفي شكل المئذنتين الواقعتين في زاويتي الجدار الشمالي للمسجد، وهما مضلعتان ولكن تبدوان اسطوانيتين يعلوهما قمع مخروطي من الرصاص، ولكل مئذنة شرفة محمولة على مساند من المقرنصات، وفي داخل المسجد محراب تعلوه زخارف حجرية مقرنصة والى جانبه منبر رخامي.
وينفتح حرم المسجد على الصحن بباب رائع الزخرفة يتقدمه مظلة ضخمة محمولة على أعمدة ذات تيجان مقرنصة ملساء، والمظلة مؤلفة من ثلاث قباب ويتقدم المظلة رواق أقل ارتفاعاص محمول على قناطر ذات أعمدة ضخمة.
وفي مدرسة التكية الى الشرق، بناء مستقل لمسجد خاص بها يمتاز بزخارفه الوفيرة ورشاقة بناءه، وجمال بابه ونوافذه.
ان أروع ما يميز هذه التكية هو الزخارف التي تعلو الأبواب والنوافذ، أو التي تزيد جدران المسجدين من الداخل على شكل سجاجيد، وهذه الزخارف مؤلفة من ألواح خزفية صنعت كلها في دمشق، وهي ذات مواضع زخرفية نباتية وكتابات قرآنية، بلونين: الأزرق والأخضر وبعض اللون الأحمر الرماني، الذي امتازت به ألواح الخزف الدمشقي والتي يميزها عن الخزف التركي. أما المدرسة والسوق فلقد شكلتا مجموعتين مستقلتين عن التكية وأن وحدتهما الزخارف والقباب والأروقة.
وتستعملان اليوم سوقاً للفنون اليدوية أما أبنية التكية عدا الجامع فقد استعملت موقتاً متحفاً حربياً وسينقل قريباً الى قلعة دمشق.
ان هذه التكية التي أنجزت في عهد السلطان سليمان كان قد أمر ببنائها أولاً والده السلطان سليم فاتح الشام ومصر وكان السلطان سليم قد أمر منذ دخوله دمشق بانشاء مسجد على ضريح الشيخ الصوفي محي الدين بن عربي المتوفى سنة 640هـ /1240م الى جانب تكية وتربة، وما زالت هذه المجموعة من الأبنية قائمة في سفح قاسيون تزودها بالماء ناعورة فريدة بنوعها وآليتها، وتمتاز زخارف هذه المجموعة بألواح الخزف الدمشقي.
* إمام وخطيب