نقوش وكتابات / الخط العربي ولغة القرآن (2)

1 يناير 1970 04:55 م
 |القاهرة - من عبدالغني محمد عبدالله|

عرفنا ان للنقوش العربية دوراً كبيراً في التاريخ لفترة ما قبل الاسلام. وخاصة في منطقة شبه الجزيرة العربية. ويجب ان نعلم ان الشام والعراق (الاجزاء الجنوبية منهما على وجه الخصوص) انما هما اجزاء من شبه الجزيرة العربية ارضا وبشرا وتراثا. على الرغم من وقوعهما تحت يد المحتل الاجنبي ذي الثقافة والتوجهات والعقائد المختلفة عن شبه الجزيرة العربية. وطال زمن الاحتلال ولكن العربي ظل في داخله عربياً... ومن هنا فاننا نقول ان الفتوحات الاسلامية ذات توجهات استراتيجية كانت تبغي وحدة العرب وتوجهات تكتيكية ترمي إلى تخليص العرب من ربقة الاستعمار الاجنبي.

النقوش العربية كثيرة ومن خلال هذه النقوش نستبين كيفية تحول الحرف إلى العربية وما هي الصلة بين كل تلك اللهجات واللغة العربية. ونقش حران الذي نقدمه اليوم هو نقش جديد قديم يؤرخ له عام 463 من تاريخ سقوط سلع (بترا) وهذا التاريخ ينقص عن التاريخ الميلادي 105 سنة ولذلك فنحن نعتبر نقش حران مؤرخا له عام 568م. الذي هو عبارة عن 463 من تاريخ سقوط سلع + 105 فرق التاريخ مع التاريخ الميلادي فيصبح 463 + 105 = 568م اي قبل التاريخ الهجري بـ 40 سنة فقط.

عثر على هذا النقش المهم في حران في المنطقة الشمالية من جبل الدروز في سورية عام 1860م منقوشا على عتب احدى كنائس حران التي تقع في المنطقة التي كان يعيش فيها الغساسنة، وهو يشتمل على كتابات عربية ويونانية ويمثل لنا مرحلة من مراحل انتقال الخط النبطي المتأخر إلى الخط العربي الشمالي.

المستشرقون عجزوا في اول الامر عن قراءة هذا النقش حتى تمكن البروفيسور ليتمان من قراءته Littmann للمرة الاولى عام 1911 ثم اقدم على نشره في مجلة الدراسات الشرقية (مجلة جمعية المستشرقين الالمان) وقدم قراءة لهذا النقش بعد ان تمكن من حل رموز هذا النقش عندما قام بترجمة النص اليوناني منه اما العالم الفرنسي ديسود فقد رسم هذا النقش اعتمادا على ترجمة ليتمان.

النقش يتكون من اربعة اسطر كالتالي:

1 - انا شرحبيل بر ظلمو بنيث ذا المرطول

2 - سنت 463 بعد مفسد

3 - خيبر

4 - بعم

وقد اتفق العلماء على عدة ملاحظـات حول هذا النقش نوجزها فيما يلي: السطر الاول وبه:

* ظلمو - الواو هنا للاشباع - وشرطة الطاء مائلة من اليمين إلى اليسار وهي ظاهرة انتقلت إلى الخط الكوفي ثم إلى الخط المغربي.

* ذا - بمعنى (تى) او هذا.

* المرطول - كنيسة صغيرة وهو الاسم العربي للمنطوق اليوناني مرطوريول.

* اما السطر الثاني فبه الاعداد 463 التي كتبت بالحروف الآرامية. اما كلمة سنت فقد كتبت بالتاء المفتوحة كما هو في تاء التأنيث في الكتابة النبطية.

* عدم وجود مد في كلمة بعم (بعام) في السطر الرابع.

* العين مفتوحة وبدون قنطرة.

* الكتابة العربية موجودة في الجهة اليمنى من النقش. اما في الجهة اليسرى فجاءت الكتابة باللغة اليونانية.

واحسن ما تم نشره عن هذا النقش هو ما قدمه لنا ليتمان (العالم الانكليزي) ومن المعروف ان غزو خيبر كان عام 567م. ومن ثم فإن التاريخ الوارد على هذا الحجر يكون صحيحا بعد مفسد خيبر بسنة واحدة 568 + 105 = 463 وهو التاريخ الذي اورده لنا الاستاذ بتلر.

* الراء في كلمة خيبر وكلمة شرحبيل وكلمة مرطول فيها آثار نبطية.

* السين والشين في شرحبيل، سنت نبطية.

* الطاء والظاء في مرطول وظلمو مائلة من اليمين إلى اليسار.

* لا يوجد في النص نقط او اعجام.

* التأثير السرياني واضح في (بر) وهي كلمة آرامية وسريانية وهي تساوي (ابن).

* الدال لها شكلان في كلمة (ذا) وكلمة (مفسد).

* التأثير النبطي واضح في كتابة التاريخ وكثير من الحروف.

ومن كل هذه الملاحظات يتضح لنا مدى الجدل حول هذا النص وذلك يعكس اهميته الكبرى في التحول من النبطية إلى العربية. وعلى ذلك يمكن ترجمة النقش إلى الوضع العربي الصحيح ليكون:

«اسس شرحبيل بن ظالم سيد القبيلة. مارطول ماريوحنا عام 463».