خواطر وتوجيهات / سِرّ القدر
1 يناير 1970
10:20 ص
| د. عبدالرؤوف الكمالي* | إن الإيمان بالقدر ركن من اركان الايمان بالله تعالى، فلا يصح ايمان انسان حتى يؤمن بالقدر، ومعنى الإيمان بالقدر: ان يصدق الانسان تصديقا جازما لامرية فيه ولاشك، ان الله عز وجل قد علم بالاشياء كلها قبل وقوعها منذ الازل، وانه سبحانه ارادها وشاءها، وقد كتب ذلك سبحانه كله عنده في كتاب، قال الله عز وجل: (انا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال سبحانه: (وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين).
وثمرة الإيمان بالقدر ثمرة عظيمة جدا، فإن الانسان اذا علم انه لا يقع شيء في هذا الكون الا بارادة الله تعالى وتقديره، فانه سيكون مطمئن النفس هادئ البال، لانه يوقن ان ما كتبه الله تعالى سيقع لا محالة، قال سبحانه: (قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون)، وقال سبحانه: (ما اصاب من مصيبة في الارض ولافي انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله يسير، لكيلا تاسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور).
وهذه كلها امور مسلمة عند المسلم لاجدال فيها مطلقا، ولكن كثيرا من الشباب اليوم يعتريهم اشكال في فهم مسألة القدر، فيقول الشاب - مثلا - أليس الله عز وجل قد كتب علي كل شيء، ومن ذلك الهداية والصلاح؟ فاذا، لو اراد الله ان اصلي لصليت، او الا ارتكب المعاصي لما ارتكبت المعاصي، فلماذا الام؟ ولماذا تأمروني بالصلاة او بعدم ارتكاب المعاصي، مع ان الله تعالى كتب ذلك كله وانتهى الامر؟
والجواب عن هذا الاشكال مع اثره الخطير والمرير جواب سهل وواضح والحمدلله، ولكننا نحتاج إلى نية صادقة، واذن صاغية، فأقول - وبالله تعالى التوفيق - اننا حين نأمر الانسان بالصلاة، ولتكن الصلاة التي سيحين موعدها بعد ساعة مثلا، فاننا نأمره بشيء مستقبل لا ماض، وهنا يأتي سؤالنا لهذا الشاب الذي لا يصلي: هل تعلم ماذا قدر الله عليك بعد ساعة: انك ستصلي او لا تصلي؟ لاشك ان الجواب الصحيح الواضح: انه لايدري، لانه لا يعلم الغيب، والمستقبل مجهول قبل وقوعه، فكيف اذا يصح ان يحتج بأمر غيب لا يعلمه؟! فإنه يحتمل ان يكون قد كتب الله عز وجل له ان يصلي بعد ساعة، وكم من انسان كان لا يصلي، ثم اصبح فجأة من اهل الصلاة والمساجد.
ومما يبين هذا الامر بوضوح اكثر: ان الانسان لايقبل بتلك الحجة - حجة القدر وان الله تعالى كتب كل شيء - لا يقبل بها في امور دنياه ومصلحته، فهو لايقبل - مثلا - ان يترك الذهاب لدراسته ان كان طالبا، او العمل ان كان موظفا، بدعوى انه لو كان الله عز وجل قد كتب له الذهاب لذهب، بل انه يبذل قصارى جهده، وكل ما في وسعه، للذهاب إلى مصلحته الدينيوية، لانه يعلم ان حجة القدر لاتصلح للاحتجاج بها على ترك العمل وبذل الاسباب الصحيحة.
فالخلاصة: ان الله تعالى قد قدر كل شيء واراده، ولكن هذا المقدر غيب عنا لانعرفه، فالواجب علينا - كما امرنا الله تعالى - ان نسعى في بذل الاسباب الصحيحة، للوصول إلى طاعته سبحانه ومرضاته، تماما كما نفعل في مصالحنا الدينوية، فالامران سيّان، والتفريق بينهما دليل التناقض.
قال الله عز وجل: (سيقول الذين اشركوا لوشاء الله ما أشركنا ولا اباؤنا ولاحرمنا من شيء) قال الله عز وجل في الرد عليهم: (قل) اي: قل لهم يامحمد: (هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الظن وان انتم الا تخرصون).
نسأل الله تعالى ان يثبتنا على دينه، وان يرزقنا صلاح الاعتقاد والعمل، وصلى الله على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
* أستاذ الفقه بكلية التربية الأساسية< p>