الرجل الثاني في حياة العظماء والمشاهير (10) / رفض عضوية الفوهرر في الحزب النازي... ثم أصبح «وزير الدعاية» ( 2 من 2)

غوبلز... نهاية مأسوية لم تكن متوقعة

1 يناير 1970 05:57 م
| القاهرة من محمد عبدالفتاح |

في تاريخ كل أمة رجال عظماء قادوا النضال والكفاح في سبيل تحرير أوطانهم والوصول بها إلى بر الأمان... واستطاعوا بما لديهم من قدرات خاصة وموهبة في القيادة وشجاعة وإقدام أن يحققوا أهداف وطموحات شعوبهم، وأيضا نجوم ومشاهير قدموا الكثير وحفروا أسماءهم في ذاكرة الناس وصفحات التاريخ كل في مجاله، فنالوا كل تكريم واحترام وحفظهم التاريخ في ذاكرته.

وفي حياة كل عظيم «رجل ثان» كان معه يشد من أذره ويسانده ويدعمه ويقف بجواره في أصعب المواقف وأحرج اللحظات وكان له بمثابة الذراع اليمنى... ومن هؤلاء من اكتفى بهذا الدور وارتضى أن يظل دائما في الظل وربما ينساه التاريخ، ومنهم من أراد أن يحقق ذاته هو الآخر وأن يقفز إلى مكانة الرجل الأول ووصل بعضهم بالفعل إلى هذه المكانة، ولكنهم احتفظوا بولائهم واحترامهم لزعمائهم، وساروا على دربهم وأكملوا مسيرتهم... ومنهم من ضعف إيمانه وانساق وراء شيطانه وانقلب على زعيمه فقتله أو عزله واحتل مكانه ليحقق ذاته أو عن اقتناع منه بأنه هو السبب في كل ما تحقق من إنجازات، ومن ثم يرى نفسه الأحق باحتلال الصدارة.

«الراي» في سلسلة حلقات «الرجل الثاني في حياة العظماء والمشاهير... رجل ثان» تلقي الضوء على حياة هؤلاء الرجال وكيف كانوا سببا في ما وصل إليه بعض العظماء من مجد وشهرة بفضل مساندتهم المخلصة لهم. وكيف تحول بعضهم إلى عظماء هم أيضا وصنعوا لأنفسهم تاريخا لا يقل عن تاريخ العظماء الذين اتبعوهم في بداية حياتهم .

كما ترصد في دقة تفاصيل العلاقة التي تجمع بين الاثنين من البداية وحتى النهاية، وتستعرض مسيرة الرجل الثاني منذ ولادته، وكيف تعرف على الرجل الأول أو زعيمه، والاسباب التي دفعته للانضمام إليه ومرافقته كفاحه الطويل ، وبعض المواقف التي برز دوره فيها بوضوح.

وخلال «15» حلقة نتناول عددا من الشخصيات المؤثرة في التاريخ سواء في أوطانهم أو على المستوى العالمي... منهم الساسة والقادة العسكريون ورجال الفكر والأدب.

كذلك تعرض الحلقات لبعض قصص النجاح في الوسط الفني التي كان الرجل الثاني فيها سببا مباشرا في سطوع نجم الفنان وبلوغه قمة المجد والشهرة.



... لا تذكر كلمة «المحرقة»، إلا ويذكر معها اسم وزير الدعاية النازية جوزيف غوبلز... فاليهود يحملونه المسؤولية الكاملة عنها ويؤكد الكثير منهم عبر مواقع خاصة على شبكة الانترنت أنه مهندس ما يسمونه «محرقة اليهود»، وعلى موقع يسمى «الهولوكوست» كتبوا يقولون: «أدلى وزير الدعاية الألماني جوزيف غوبلز بحديث متحمس عن معاداة السامية أمام المخلصين للحزب النازي في ميونيخ في ذكري محاولة الانقلاب النازية الفاشلة في العام 1923 «أول محاولة لأدولف هتلر للاستيلاء على السلطة».

وبعد إلقاء الخطاب، أمر المسؤولون النازيون قوات العاصفة «الجيش الخاص» وتشكيلات حزبية أخرى بمهاجمة اليهود وتدمير منازلهم وأعمالهم ودور العبادة الخاصة بهم، وفي ليلة 9 نوفمبر العام 1938، اندلع عدوان على اليهود في مختلف أرجاء الرايخ، وبدا الأمر كأنه لم يكن قد تم التخطيط له... حيث انطلق العدوان بسبب غضب الألمان من اغتيال مسؤول ألماني في باريس على يد يهودي في سن المراهقة.

وفي واقع الأمر، نظم وزير الإعلام الألماني جوزيف غوبلز وأطراف نازية أخرى المذابح بعناية. ففي خلال يومين، تم حرق أكثر من 250 معبدا يهوديا، وتم تدنيس ما يزيد على 7000 من الشركات اليهودية والاستيلاء عليها وقتل العشرات من اليهود وتم الاستيلاء على المقابر والمستشفيات والمدارس والبيوت اليهودية، بينما بقيت قوات الأمن وفرق إطفاء الحريق لا تحرك ساكنا. وعرفت تلك المذابح باسم «كريستال ناخت»، أي «ليلة الزجاج المكسور» بسبب الزجاج الناجم عن تكسير نوافذ المتاجر الذي تبعثر في الشوارع.

ويدلل اليهود على كراهية غوبلز لهم بمواقفه منهم وحديثه عنهم... فقد كتب في 14 مارس العام 1945 يقول: «هؤلاء اليهود تنبغي إبادتهم مثل الفئران عندما يمكن عمل ذلك»، وأضاف: «في ألمانيا، تخلصنا منهم وللإله الشكر».



مشهد النهاية

دخل الجيش السوفياتي مدينة برلين عاصمة ألمانيا النازية في أواخر أبريل العام 1945، وعندما أصبح الجنود السوفيات على بعد أمتار قليلة من الملجأ الكبير الحصين الذي كان يقيم فيه هتلر، وتأكد له أن الهزيمة النهائية حلت به وبنظامه النازي، اتخذ قراره بالانتحار مع عشيقته التي تزوجها قبل 24 ساعة «إيفا براون»، وانتحرا بالفعل في 30 أبريل، وكان انتحاره بإطلاق رصاصة من مسدسه على فمه وانتحار زوجته بالسم، وتم إحراق جثة هتلر وزوجته حسب وصيته لمساعديه الذين يقيمون في الملجأ نفسه.

كان غوبلز وزوجته وأطفالهما الستة يقيمون مع هتلر في ملجئه، وعندما قرر هتلر الانتحار وابلغ قراره للمحيطين به وعلى رأسهم «غوبلز»، قام جوبلز بكتابة رسالة أثبت فيها أنه قرر الانتحار مع زوجته وقتل أطفاله الستة، وقد وصلت هذه الرسالة كاملة إلى أيدي من اقتحموا الملجأ بعد ذلك بأيام وهذا هو نص الرسالة:

لقد أمرني الفوهرر «أي هتلر» بمغادرة برلين لألعب دورا كعضو بارز في الحكومة الجديدة التي اختارها، وانني للمرة الاولى أجد نفسي مضطرا لعصيان أوامر الفوهرر عصيانا تاما. وتشترك معي زوجتي كما يشترك أطفالي في هذا العصيان، وبالإضافة إلى الحقيقة الواقعة وهي أن مشاعر الإنسانية والولاء الشخصي تمنعنا من التخلي عن الفوهرر في هذه الساعة من المحنة الشديدة، فإني أرى أنني سأظهر في ما تبقى من حياتي في صورة الخائن الذي لا شرف له والوغد الرخيص، فأفقد احترامي لنفسي كما أفقد احترام الآخرين.

وفي هذه الأيام الحرجة، وفي هذا الكابوس من الخيانات التي تلف الفوهرر، يجب أن يكون هناك واحد على الأقل يبقى إلى جانبه حتى الموت من دون شرط أو قيد، ولهذا السبب فإنني مع زوجتي وبالنيابة عن أطفالي الستة وهم أصغر سنا من أن يستطيعوا التعبير عن أنفسهم، وثقة مني أنهم لو كانوا أكبر سنا لوافقوا من دون تحفظ على قراري، أعلن تصميمي على ألا أترك برلين حتى لو سقطت وأن أظل إلى جانب الفوهرر لأنهي حياتي التي لا قيمة لها، إذ لم أستطع أن أقضيها في خدمة الفوهرر وإلى جانبه».



قرار الانتحار

وفي مساء يوم أول مايو قرر غوبلز وزوجته تنفيذ قرارهما بالانتحار، وكان لابد أن يسبق ذلك تنفيذ قرارهما بقتل أطفالهما الستة وهم بالترتيب « هيلا 12 سنة» - «هيلدا 11 سنة» «هيلموت 9 سنوات» - «هولد 7 سنوات» «هيرا 7 سنوات» «هايد 3 سنوات»... ومن ملاحظة أن أسماء الاطفال جميعا تبدأ بحرف « الهاء» تيمنا بـ «هتلر» ما يدل على مدى تعلقهما به... كانت المهمة صعبة أمام الأم كيف يتم قتل الصغار قبل انتحارها مع زوجها، وتلك هي اللحظة التي قالت فيها لإحدى صديقاتها من العاملات: ساعديني إذا أصابني ضعف عند قتل الأطفال.

ويقول المؤرخ «وليم شيرر» في وصف هذه اللحظة الدقيقة: إن السيدة غوبلز الجميلة كانت سيدة قوية العزيمة، وكانت ترى أنه من السهل عليها أن تموت مع زوجها، ولكن فكرة قتل أطفالهما - الذين كانوا يلعبون بمرح فرحين في الملجأ - هي التي أفقدت هذه الأم أعصابها.

وكان لابد من تنفيذ هذا القرار، ولابد من أن تشرف الأم بنفسها على قتل أطفالها، وجاءت الأم بالأطفال وأوقفتهم عن اللعب وقام أحد الأطباء الموجودين في الملجأ بإعطائهم إبرا سامة. ومات الأطفال الستة مسمومين بالسم نفسه الذي قتل كلاب هتلر، وتم ذلك أمام أعين الأم والأب.

وبعد ذلك أصبح من السهل أن تموت هذه الأم «السيدة غوبلز» وزوجها، وكما يروي المؤرخ وليم شيرر « كانت الساعة الثامنة من مساء الأول من مايو العام 1945، وخرج الدكتور غوبلز وزوجته من غرفتهما فودعا كل من لقياه في الممر ثم اتجها إلى الحديقة القائمة فوق الملجأ، وهناك تولى أحد الجنود من الحرس النازي بطلب منهما إطلاق النار على مؤخرة الرأس، وصبت على الجثتين 4 صفائح بنزين ثم اشتعلت فيهما النار مع أطفالهما الستة.