خواطر وتوجيهات / أعظم نعمة على الإطلاق
1 يناير 1970
04:34 ص
| د. عبدالرؤوف الكمالي* |
حين يفكر المرء تفكيرا صادقا، ويتأمل في نعم الله تعالى عليه، يجدها - حقا - نعما عظيمة جليلة لا يمكن عدها وحصرها، كما قال ربنا سبحانه وتعالى: (وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ان الله لغفور رحيم)، وفي آية اخرى: (وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ان الانسان لظلوم كفار).
هناك نعمة الصحة والعافية ويا لها من نعمة عظيمة! وهناك نعمة الامن والامان، ويا لها من نعمة لا تقدر بثمن! وهناك نعمة المال، ونعمة الولد، وغير ذلك، ولكن اعظم نعمة يرزقها العبد واجلها واغلاها على الإطلاق: هي نعمة الإسلام، نعمة هذا الدين الذي لم يرتض الله عز وجل دينا للبشرية سواه، قال الله عز وجل: (ان الدين عند الله الاسلام)، وقال سبحانه: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وقال سبحانه (افغير دين الله يبغون وله اسلم من في السموات والارض طوعا وكرها واليه يرجعون).
وانما كانت نعمة الدين اعظم النعم على الاطلاق، لأن به يفوز الانسان بحياة ابدية سعيدة هي قمة السعادة والراحة والهناء، ومن دونها يعذب في حياة ابدية هي قمة الحزن والألم والشقاء، فمن هذا الذي يستطيع ان يتحمل نارا تزيد قوة وألما على نار الدنيا بتسع وستين مرة، كما اخبرنا بذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم؟ قال الله عز وجل: (فأما من طغى، وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هي المأوى، واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى).
ويصف ربنا الجبار - جل جلاله - حال اهل النار وهم يعذبون فيها، فيقول سبحانه: (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور، وهم يصطرخون فيها ربنا) وتأمل هذا التلطف والاستغاثة (اخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) فيجيبهم العزيز الجبار سبحانه بقوله: (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير)، ثم ماذا؟ هل نفعهم هذا الاصطراخ وهذا النداء؟ كلا (فذوقوا فما للظالمين من نصير).
فماذا يصنعون اذا؟ خياران احلاهما مر - كما يقال: (فإن يصبروا) وهو محال من دون الألم الذي لا يطاق ولا يوصف (فالنار مثوى لهم) والخيار الثاني (وان يستعتبوا) اي يطلبون من الله تعالى العتبى وهو الرضا عنهم يقول سبحانه (فما هم من المعتبين).
ثم انهم يحاولون في «مالك» خازن النار، لعل وعسى: (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك) فيجيبهم بعد الف عام - كما قال ابن عباس - او بعد اربعين سنةكما في بعض الروايات (قال انكم ماكثون) ثم يقول سبحانه (لقد جئناكم بالحق ولكن اكثركم للحق كارهون) قال عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما «لم ينزل على اهل الناس آية اشد من هذه (فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا) قال فهم في مزيد من العذاب ابدا.
فلهذا ندرك جيدا لماذا كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يحزن حزنا شديدا على قومه حتى انه ليكاد يهلك نفسه عليهم (فلعلك باخع نفسك) اي مهلكها (على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا).
فنحمد الله تعالى ليل نهار على ان من علينا وعلى والدينا واولادنا بأعظم نعمة على الاطلاق، نعمة الاسلام، ونسأله سبحانه ان يثبتنا عليها، ويميتنا عليها، اللهم آمين وصلى الله على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.