د. عبداللطيف الصريخ / زاوية مستقيمة / اللهم إني صائم

1 يناير 1970 04:53 م
نحن في رمضان، والأصل أن نكون في عداد الصائمين، والأصل في الصائم أن يكون أكثر روحانية، وأكثر قرباً من الله، فيغفر لمن يخطئ أو يُزل في حقه، ويرد عليه بالعبارة المشهورة (اللهم إني صائم)، هذا هو الأصل، ولكن هل واقعنا يعكس ما نؤمن به.

بيوتنا ميدان رحب لتطبيق مثل تلك المقولة والحكمة، فنحن أثناء وجودنا في البيت، وتعاملنا مع الزوجة والأولاد والجيران والخدم، وغيرهم، لعلنا نتعرض لمواقف تحتاج منا إلى الصبر والتعامل معها بحجمها، وتقديرها بقدرها، وعدم تحميلها أكثر ما تحتمل أبداً، كل ما عليك هو في مثل تلك المواقف أن تتذكر دائماً أنك صائم، والصائم الذي تحكم بشهوة البطن، عليه أن يكون أكثر تحكماً في سوْرة غضبه، فيضبطه ويسيطر عليه، فهي فرصة ذهبية لبرمجة ذاتك، والتحكم بسلوكياتك التي لا تريد لها أن تستمر معك.

التعامل مع الزملاء والأصدقاء هو الآخر مجال رحب لإفساد الصيام علينا، فكثير من الناس ولعلي أحدهم، نسأل الله العافية، ما نجلس مجلساً ما، وإلا ونهشنا في لحم زيد، وفتكنا في عرض عمرو، نفطر على أحدهم، ونتسحر على الآخر، وبينهما نغْبِق على مائدة عريضة من شتى صنوف وألوان البشر، وهات يا حش! ظانين أننا بذلك نصوم، طالما أننا امتنعنا عن الطعام والشراب، مع أن الصوم الحقيقي أن تصوم جوارحنا جميعاً عن جميع ما حرم الله، فالعين والأذن والأنف واليد والرجل واللسان، جميعها معنية بالصوم.

رمضان فرصة للتزاور وصلة الأرحام، وتوطيد الصلات مع الآخرين، وردم الفجوات الاجتماعية بين الأهل والأقارب، حيث الشياطين مصفدة، والقلوب أكثر روحانية وشفافية، والأرواح أكثر تخففاً من أوزار وأثقال الدنيا، فمن فاته شيء من ذلك، فلا يزال في الوقت متسع، وليقل اللهم إني صائم، وليستثمر ما تبقى من رمضان.

رمضان يجب أن يكون إجازة لكم أيها الساسة كي تكرمونا بسكوتكم، وحفظ ألسنتكم عن القيل والقال، وكثرة السؤال، ونقل الكلام لفلان وعلان، وعن فلان وعلان، وهذا الكلام معني به بعض أفراد السلطة كذلك، فقد سئمت شخصياً ما ترددونه وتنقلونه، وأعتقد أن رمضان فرصة كي ترحمونا يرحمكم الله، فلإن صمنا عن فضول الأكل، فلنصم عن فضول الكلام، الذي لا معنى له.

أعجبتني حكمة من حكم الجيل الجديد تقول: من يخطئ عليك ويشتمك ويسبك، لا تنفعل من أجله، وتذكر دائماً القاعدة المكتوبة في المرآة الجانبية للسيارة، والتي تقول: الأشياء التي تشاهدها أصغر مما تبدو في الواقع.





د. عبداللطيف الصريخ

كاتب كويتي

[email protected]