خواطر وتوجيهات / دخلت امرأة النار بهرة وغُفر لامرأة بكلب

1 يناير 1970 10:59 ص
| د. عبدالرؤوف الكمالي* |

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عُذبّت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي اطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الارض» رواه البخاري ومسلم.

وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما كلب يطيف بركيّةٍ (أي: بئر) قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغيّ من بغايا بني اسرائيل، فنزعت موقها فاستقت له به، فسقته إياه فغُفر لها به» رواه البخاري ومسلم.

تأمل - اخي القارى الكريم - هذين الحديثين، لتجد النقيضين وكلاهما لامرأتين، وكلتاهما من بني اسرائيل (قصة الهرة رواها - ايضا - مسلم من حديث جابر رضي الله عنه، وفيها ان المرأة من بني اسرائيل).

المرأة الاولى عذبت هرة وهي حيوان طاهر أليف، والمرأة الثانية رحمت كلبا، وهو حيوان نجس، ومع ان هذه المرأة وُصفت في الحديث بأنها «بغي»، أي: زانية، فكان هذا عملها المتكرر الملازم الذي بسببه استحقت هذا الوصف الذميم، ولكن لعمل واحد قامت به، وهو في حق حيوان لا انسان، وهذا الحيوان نجس ليس بطاهر، وهي لا تملكه فهي ليست مسؤولة عنه، وهذا العمل الذي قامت به لم يتكرر، ومع كل هذا غفر الله تعالى لها به!

انها رحمة الله تعالى التي غلبت وسبقت غضبه، وانه عدل الله عز وجل الذي لا يظلم احدا، وانه علم الله سبحانه الذي احاط بالضمائر والمكنونات، فلا شك ان هذه المرأة «البغي» لم تقم بهذا العمل لولا فضل الله تعالى عليها اولا، ثم ما في قلبها من الخير الذي دفعها الى ما قامت به ثانيا، وهكذا تظهر لنا هذه الحقيقة حين تحدث ربنا جل جلاله عن حال مشركي قريش الذين عاندوا وكابروا، حتى وصل بهم العناد ان يقولوا: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك) فبدلا من ان يقولوا: فاهدنا يا رب او: فإننا قد سمعنا وأطعنا، قالوا: (فأمطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب أليم).

فلهذا قال الله تبارك وتعالى عنهم: (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون * ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولّوا وهم معرضون) أي: فهو - سبحانه - علم ان قلوبهم ليس فيها شيء من الخير، فهو سبحانه لم يسمعهم ما ينتفعون به، فمن هنا نقول: حريّ بالمرء ان يصطلح مع قلبه، وان يتعاهده بالعناية والرعاية، وان يطهره ويزكيه مما قد يغطيه ويعلوه من امراض فتاكة وأدواء مهلكة، تقضي على القلب وتميته.

وثمة شيء آخر وهو الخلق الجميل والفعل النبيل الذي يحبه الله عز وجل ويرتضيه، بل يجعل صاحبه من اقرب الناس اليه، ويثيبه عليه الثواب الجزيل، الذي لا يخطر في باله، كما حصل مع هذه المرأة التي سقت الكلب فغفر لها، وصدق الله تعالى إذ يقول في محكم كتابه الكريم: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء...» الحديث رواه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وصلى الله على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.



* أستاذ الفقه بكلية التربية الأساسية