رجال دين اعتبروه بدعة وعادة منكرة

حفلات «زار» راقصة لاسترضاء ... «الريح الأحمر»

1 يناير 1970 08:36 م
دبي من إلهام نخلاوي (سي ان ان) - رغم التطور العلمي والطبي الذي شهدته معظم الدول العربية، الا أن اللجوء الى طرق بديلة للتداوي شائع جدا، مثل الأعشاب والطب البديل، وهي طرق يعترف الطب بها، لكن أخرى تثير جدلا كبيرا بين العلم والدين، تماما مثل ما يعرف بـ«الزار».

ورغم أن «الزار» ظاهرة اجتماعية يمتزج فيها الدين بالخرافة والسحر، والتراث بعالم الروحانيات، الا أنها ورغم قبولها تقليديا في عدد من المجتمعات العربية، الا أنها مرفوضة دينية، ومثيرة للجدل ثقافيا.

وفي وقت يقول رجال الدين الاسلامي ان «الزار،» مجرد «بدعة،» وعادة منكرة دينيا، يرى من يعتقدون بنجاعة تلك الظاهرة، أنها «تشكل علاجا نفسيا شعبيا للشفاء من أعراض أو أمراض ربما عجز الطب عن تشخيصها أو علاجها».

وتقول أستاذة علم النفس التربوي، في جامعة افريقيا العالمية، في الخرطوم الدكتورة هاجر ادريس، ان «الزار ممارسة طقسية تتم تأديتها في أجواء مليئة بالرمزية سواء في اللبس، الايقاع، الكلمة والأداء الحركي والألوان... ولهذا السياق الرمزي أهمية في فهم أغوار الرمزية الطقسية، رغم صعوبة اخضاع ذلك للدراسة التجريبية».

وتختلف النظريات في تفسير الزار، كما هو حال البحث في أصل نشأته، فهناك من يرى أن الحبشة هي موطن ولادة هذه الطقس، ويرى البعض الآخر أن أصولها فرعونية، اذ شاعت في عدد من الدول العربية، ومن أبرزها السودان ومصر واليمن والسعودية والمغرب ودول الخليج.

وبحسب المعتقد الشعبي، يعتبر «الزار» طقسا يمارس فيه الايقاع تعبيراً عن فكرة الميثاق بين البشر والقوى الخفية، وتمثل تلك الأرواح قوة خارقة غير طبيعية، مما يفرض التعامل معها باحترام وتبجيل.

ومبعث فكرة اللجوء للزار كوسيلة «علاج» جاءت من الاعتقاد بأن الكون يعج بالأرواح الخفية، ومنها الريح السوداء، ويقصد بها الجن والشياطين، والريح الحمراء، وهي مجموعة أرواح دون الفئة الأولى.

ويعتقد أن الريح الأحمر هو المسبب للزار، اذ يصاب الفرد بحال غير طبيعية عندما تحل في بدنه، بحيث يصبح غير مسؤول عن كل ما يصدر عنه من أفعال وحركات، كما يؤمن المعتقدون بهذه العادة.

وتهدف الجلسات «العلاجية» بتلك الطقوس الى استرضاء الأرواح الخفية، بحيث تهدأ بفعل الاستجابة الى مطالبها مما يجعل «الملبوسة»، آو كما يعرف «المزيورة»، تعود، وكما يزعم، الى حالتها الطبيعية.

الا أن الدكتورة ادريس ترجح أن «الزار» طقس وثني عرف في القرن التاسع الميلادي، واسمه كلمة عربية مستعارة من اللغة الأمهرية مشتقة من كلمة «دجار» وتعني «روح شريرة» وبتفسيرات أخرى تعني «زائر النحس».

وتعقد حفلات الزار «العلاجية» برعاية شيخ أو شيخة زار، وهي عادة ما تتوارث هذه المهام عبر الأجيال، حيث يجري تنصيبها كشيخة زار بمراسم احتفالية خاصة، قد تمتد فيها حفلات الزار على مدى أسبوعين، تتسلم فيها «حزام الزار» ما يعني أهليتها للقيام بوسيط بين «الملبوسة» و«الأسياد من «الريح الحمراء».

احدى شيخات الزار المشهورات في احدى الدول العربية، قالت «عندما يحضر الينا مريض فشل العلم في تحديد مرضه نقوم بتبخيره ببخور خاص للزار، ومن ثم نبدأ بترنيم أغنيات مختلفة، وتلك التي يتجاوب معها المريض، ويبدأ في الاهتزاز معها بقوة، منها يتحدد لنا شخصية الريح الحمراء الذي يتقمصه».

وحول كيفية دخول هؤلاء «الأسياد» في أجساد «المزيورين»، قالت شيخة الزار: «قد تحل بالجسد بشكل عشوائي أو قد تنتقل بالوراثة عبر الأجيال».

وأوضحت أن هناك من «يتعافى من مرحلة البخور حيث يتأكد اصابته بالريح الحمراء، ولكن في بعض الحالات الأخرى قد يتطلب الأمر اقامة حفل زار لارضاء الأسياد لتستكين تلك الأرواح بالاستجابة لمطالب محددة تطلبها، لتزيل عن الفرد الذي سكنته حالة الاختلال والمرض».

وحفل الزار هو طقس للتواصل مع جماعة «الأسياد» يتميز بالرقص الجماعي وبحركات ارادية وغير ارادية تتسم بالتكرار أو النمطية، وبعضها لها مضمون رمزي.

ولفتت «شيخة الزار» الى أن «الريح الحمراء تتفرع الى 99 قبيلة مختلفة منها: الزرق والنصارى والخواجات والبشاوات والدراويش والأحباش وغيرها».

ووفقا للمعتقد، يتوجب على المشاركات الجلوس على الأرض احتراماً لـ«الأسياد»، ولا بد أن ينطلق الطقس بدعوة «الدراويش» والغناء للشيخ عبدالقادر الجيلاني، وكل الأولياء الصالحين، طبقا لما ذكرت الشيخة في معرض نفيها بشدة بأن الزار طقس وثني وما يشاع بأن القرابين التي تقدم كرامة لا تذبح حلالاً أو شراب دم الذبيحة.

الا أن القاضي في المحكمة العليا في ولاية الخرطوم هاشم حسن ياسين أكد أن «الزار أمر منكر وبدعة سيئة لا يقرها الدين،» وما يصاحبها من طقوس كالذبح لدون الله أو دون تسمية أو شرب الدم».

وقال في سياق تأكيده لحقيقة وجود الجن بأن «العلاج المشروع يكون بالأدوية المباحة، والرقية الشرعية، وقراءة القرآن، والأدعية».

ويبدو أن حالات التلبس بـ«الريح الحمراء» لا تقتصر على فئات بعينها، فقد يصاب بها من حظوا بدرجات تعليم عال أيضا، كتلك الفتاة الجامعية المتخصصة بالدراسات الاسلامية.

وقالت «كنت أسخر من والدتي (المزيورة) وتلك الملابس التي ترتديها للريح الحمراء، حتى أصبت بمرض فشل الطب عن تحديده، لاكتشف لاحقا أنني «مزيورة» بروح تسمى «حليمة».

ولكن لماذا يلجأ المرء، وفي أغلب الأحيان لمثل هذه الأساليب، في مجتمعات يسودها احترام للدين؟ يرى السر دوليب، بروفيسور علم النفس بجامعة الأحفاد، في السودان أن «طقوس الزار هي بمثابة جلسات تفريغ نفسي تجري على ايقاعات طبول وكلام وحركات جسدية دون رقابة يتمتع فيها الفرد بحرية لا يمكن القيام بها في حالة الوعي لاستخراج ما هو مخزن بالذاكرة من أشياء سلبية».

وجزم دوليب أن «أولئك الأشخاص يعانون من مشاكل نفسية يشعرون بالخجل من الحديث عنها في مجتمعهم، مؤكدا أن علاجه ليس بالزار، الذي هو تنفيس انفعالي وقتي فحسب، يعود بعدها الشخص لسابق حالته».

ورغم بدء اندثاره، الا أنه مما لا شك فيه أن طقس «الزار،» مازال يمارس بالخفاء، كدلالة على عدم قبول المجتمعات المحافظة له، وتحديدا في الدول التي تدين بالاسلام.