عادل أدهم... برنس الفن على الشاشة (11) / انتقد الممثل الذي يدعي الأستاذية... ويتطاول على اختصاص المخرج
فنان فوق العادة... وتلميذ دائما
1 يناير 1970
03:32 م
| القاهرة - من إسلام العرابي |
عبقري في أدائه للشخصيات... مدهش في أداء أدوار الشر.. ظهوره على الشاشة يشدك، يجذبك... فتخضع لسطوته... تميز في اختياراته الفنية، وبرع في تجسيدها، حتى أنه لا أحد يقدر على أدائها غيره... إنه الفنان الراحل عادل أدهم، الذي يستحق عن جدارة جميع الألقاب التي أطلقت عليه.
فهو «البرنس»، «الفتوة»... «الشرير خفيف الظل»... «العبقري»، ونجم أدوار الأنماط البشرية و«صاحب الألف وجه».
هكذا قالوا عن النجم الأشقر - في عدة مطبوعات فنية وغير فنية مصرية وعربية.. قلبنا في أوراقها ونحن نعد هذه الحلقات - الذي رحل عن عالمنا منذ 14 عاما ولكنه ترك بصمة في السينما المصرية والعربية وبقي خالدا في أذهان جمهوره الكبير.. الذي تمتع بمشاهدة أفلامه وأعماله الفنية.
ولد أدهم في الإسكندرية العام 1928، ثم جاء إلى القاهرة، وتدريجيا استطاع أن يكون فنانا لامعا في الوسط الفني، ليدهش الجميع بأدائه وموهبته لصانعي الأعمال الفنية ويصبح شرير الشاشة والذي تفوق على نجوم السينما السابقين والمعاصرين معه في أداء أدوار الشر بسبب أدائه الصادق ووجهه الأشقر وأدواته الفنية المختلفة، التي أعجبت كل المخرجين الذين تعاملوا معه في الوسط الفني.
أجاد عادل أدهم ونجح في أعماله الفنية الأخرى وانطلق نحو العالمية، حيث عمل في أكثر من فيلم إيطالي، وتعامل مع كبار فناني أوروبا، وأصبح الفنان عادل أدهم معروفا في الخارج مثل الفنان العالمي عمر الشريف.
عندما تشاهد أعماله على الشاشة الفضية تشعر أنك ترى نجما مختلفا من نوعية يجيد كل أدوار الشر وأدوار ابن البلد، كما يتمتع بملامح تجعله يجيد مختلف الأدوار الفنية.
عبر حلقة في «الراي» نتابع مسيرة عادل أدهم «الإنسان والفنان» وبعضا من يومياته وحكاياته ومواقفه التي لا يعرفها أحد عنه، ورأيه في نفسه ورأي النقاد وزملائه فيه.. فتابعوا... وانتظرونا حلقة بعد أخرى.
يرى العديد من نقاد السينما أن الفنان عادل أدهم... ممثل فوق العادة، يتمتع بحضور فني حاد، ينساب بإحساس مرهف عبر أداء متفرد يعجز أي فنان آخر عن تقليده، ويعكس موهبته التي أصقلتها خبرة عميقة اكتسبها على مدار 30 عاما، قدمها خلالها شخصيات عديدة صارت علامات مضيئة في تاريخ السينما المصرية، واعتبروا أن أرستقراطية الحوار وتمرد الفنان وسيمفونية العاشق شكلت منظومة تعكس حقيقة هذا الفنان الذي تألق في أدوار الشر الأنيق، ولكنه حصل على لقب برنس السينما المصرية، الذي ارتبط ـ بعد نجاحه ـ بأداء دور الأمير يوسف كمال في مسرحية «وداد الغازية»، ثم قيامه بأداء هذه الشخصية مرة أخرى في السينما بعد «17» عاما في فيلم حمل العنوان ذاته، ليضيف إلى رصيده السينمائي أبعادا جديدة قابلة للاتساع.
شخصية البرنس
وعلى الرغم من أن عادل أدهم جسد شخصية البرنس نفسها أو الأمير في قصة الكاتب الصحافي الراحل جليل البنداري «وداد الغازية» في كل من المسرح والسينما، فإنه - بحسب ما ذكرت أوراق المركز الثقافي السينمائي - قدمها للسينما بمنظور مختلف تماما يتناسب مع أجوائها الرحبة وعالمها البراق، وذلك عندما أجرى كاتب السيناريو مصطفى محرم عدة تغييرات في السيناريو ليُكسب الفيلم طابعا سياسيا، حيث أصبح عادل «أفندينا» رمزا للاستبداد، لتقود وداد حملة شعبية لمهاجمة قصره حتى تجبره على الهروب، فيما يتولى أحد حراسه قتلها، وقد تغير جميع ممثلي مسرحية «وداد الغازية» عند تحويلها للسينما باستثناء عادل أدهم، حيث لعبت الفنانة نادية الجندي في الفيلم دور هدى سلطان في المسرحية من دون الاستغناء عن الطابع الاستعراضي، باعتباره إحدى المفردات الأساسية للشخصية المحورية، كما قام عادل بالغناء في الفيلم، ولكن بصوت المطرب اللبناني محمد سلمان، ولم يسمح أحمد يحيى مخرج فيلم «وداد الغازية» بإقحام عنصر المقارنة بين عمله السينمائي والعمل الذي قدمه محمد سالم، وأكمله الفنان الراحل سعد أردش على خشبة المسرح حتى لا يبدو الفيلم كاستثمار لنجاح المسرحية.
المثير أنه من شدة التصاق عادل أدهم بدور الأمير اعتقد البعض أنه ينتمي بالفعل لطبقة النبلاء، بالرغم من أنه ولد في حي شعبي بالإسكندرية وتعامل مع جميع أبناء الطبقة الشعبية، التي ساهمت في تشكيل شخصيته الفنية فيما بعد... حيث كان معجبا إلى حد الهوس بأفلام رعاة البقر وبالممثلين الأميركيين «لي مارفن ودان دوريا ورتشارد ودمارك» - كما قلنا في السابق - وعندما يخلو إلى نفسه كان يقلدهم في صراعهم مع الأعداء، ويحلم بأن يصبح ممثلا على الشاشة المصرية إلى أن جاءت الفرصة عندما قدمه مجموعة من أصدقائه هم: كاتب السيناريو محمد عثمان والمخرج علي رضا والمصور السينمائي عبدالعزيز فهمي إلى المخرج أحمد ضياء الدين، ليلعب دورا في فيلمه الجديد «هل أنا مجنونة».
وكا ذكرنا في حلقات سابقة انتقل عادل أدهم إلى القاهرة العام 1964، ليشق طريقه في عالم السينما... حيث وقف ليمثل لأول مرة أمام حسين رياض وسميرة أحمد وكمال الشناوي، بعدما كان يراهم عبر شاشة السينما، ثم فتحت السينما ذراعيها للنجم الأنيق، فاختاره كاتب السيناريو نبيل غلام ليلعب دورا بارزا في فيلم «فتاة شاذة»، وأعجب به السيناريست عبدالحي أديب ليقدمه إلى المخرج الراحل نيازي مصطفى ليسند له دور «الجاسوس» في فيلم «الجاسوس» أمام الفنان الراحل فريد شوقي، وصمم فطين عبدالوهاب على إسناد دور أساسي له في فيلم «المدير الفني» أمام فريد شوقي وهند رستم، من إنتاج إيهاب الليثي، ثم قدمه المنتج رمسيس نجيب إلى المخرج فاروق عجرمة ليشارك في تمثيل فيلم «العنب المر» أمام لبنى عبدالعزيز وأحمد مظهر، وعاد نيازي مصطفى ليطلبه للعمل في دور قيصر روما في فيلم «فارس بني حمدان» أمام فريد شوقي وليلى فوزي، حتى تحقق له الانتشار، وأصبح مطلوبا للتمثيل في عشرات الأفلام، وكان عليه أن يختار أولا.
تلميذ إلى الأبد
حينما انتهى عادل أدهم من التمثيل في أول يوم عمل داخل الاستوديو، لم يصدق أنه سيستمر في طريق الفن، وبالرغم من ذلك فقد نجح في اقتحام عالم السينما بسرعة فائقة بعد استقالته من عمله الحكومي. وعلى الرغم من سطوع نجمه، فإنه ظل أمام الكاميرا كالتلميذ الذي لا يستمع إلى توجيهات المخرج فحسب، بل يلتزم بتنفيذ السيناريو ويرفض الخروج على حدوده بعد دراسة سائر الأمور وقراءة القصة بالكامل، ويستمع لنصائح المصور ليبقى تحت الأضواء متحاشيا الظلال، بل يستمع إلى ملاحظات عمال الاستوديو أحيانا، وذلك رغم تعمقه في أبعاد الشخصية التي يلعبها بمعايشة صادقة، فتبدو لحظات تصوير المشاهد كامتحان المواد الدراسية الذي يؤديه التلميذ بعد الاستذكار، يعتصره القلق من رهبة الموقف في كل مرة حتى تظهر النتيجة عند عرض الفيلم.
وهذا ما أكده عادل أدهم بقوله - في حوارات مختلفة في مجلتي النجوم وكلام الناس - «أنا تلميذ ولست أستاذا أو معلما، وأضيق ذرعا بمن يدعي الأستاذية ليتطاول على اختصاص المخرج، الذي ينبغي إطاعته من دون محو لشخصية الممثل، وأعتقد أن سر النجاح للأفلام الأجنبية أن كل فنان فيها يعرف تخصصه وحدوده مع خضوع جميع العاملين في الفيلم للمخرج، فيصبح كل منهم نجما في حد ذاته»، ولذلك... يستمر عادل أدهم هاويا للسينما، رغم أنه من أكبر محترفيها.