الرجل الثاني في حياة العظماء والمشاهير (1) / حارب مع الرسول في معظم غزواته (1 من 2)
أبوبكر الصديق... قضى على الردة
1 يناير 1970
02:06 م
| القاهرة من محمد عبدالفتاح |
في تاريخ كل أمة رجال عظماء قادوا النضال والكفاح في سبيل تحرير أوطانهم والوصول بها إلى بر الأمان... واستطاعوا بما لديهم من قدرات خاصة وموهبة في القيادة وشجاعة وإقدام أن يحققوا أهداف وطموحات شعوبهم، وأيضا نجوم ومشاهير قدموا الكثير وحفروا أسماءهم في ذاكرة الناس وصفحات التاريخ كل في مجاله، فنالوا كل تكريم واحترام وحفظهم التاريخ في ذاكرته.
وفي حياة كل عظيم «رجل ثان» كان معه يشد من أذره ويسانده ويدعمه ويقف بجواره في أصعب المواقف وأحرج اللحظات وكان له بمثابة الذراع اليمنى... ومن هؤلاء من اكتفى بهذا الدور وارتضى أن يظل دائما في الظل وربما ينساه التاريخ، ومنهم من أراد أن يحقق ذاته هو الآخر وأن يقفز إلى مكانة الرجل الأول ووصل بعضهم بالفعل إلى هذه المكانة، ولكنهم احتفظوا بولائهم واحترامهم لزعمائهم، وساروا على دربهم وأكملوا مسيرتهم... ومنهم من ضعف إيمانه وانساق وراء شيطانه وانقلب على زعيمه فقتله أو عزله واحتل مكانه ليحقق ذاته أو عن اقتناع منه بأنه هو السبب في كل ما تحقق من إنجازات، ومن ثم يرى نفسه الأحق باحتلال الصدارة.
«الراي» في سلسلة حلقات «الرجل الثاني في حياة العظماء والمشاهير... رجل ثان» تلقي الضوء على حياة هؤلاء الرجال وكيف كانوا سببا في ما وصل إليه بعض العظماء من مجد وشهرة بفضل مساندتهم المخلصة لهم. وكيف تحول بعضهم إلى عظماء هم أيضا وصنعوا لأنفسهم تاريخا لا يقل عن تاريخ العظماء الذين اتبعوهم في بداية حياتهم .
كما ترصد في دقة تفاصيل العلاقة التي تجمع بين الاثنين من البداية وحتى النهاية، وتستعرض مسيرة الرجل الثاني منذ ولادته، وكيف تعرف على الرجل الأول أو زعيمه، والاسباب التي دفعته للانضمام إليه ومرافقته كفاحه الطويل ، وبعض المواقف التي برز دوره فيها بوضوح.
وخلال «15» حلقة نتناول عددا من الشخصيات المؤثرة في التاريخ سواء في أوطانهم أو على المستوى العالمي... منهم الساسة والقادة العسكريون ورجال الفكر والأدب.
كذلك تعرض الحلقات لبعض قصص النجاح في الوسط الفني التي كان الرجل الثاني فيها سببا مباشرا في سطوع نجم الفنان وبلوغه قمة المجد والشهرة.
لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- مواقف وأعمال عظيمة في نصرة الإسلام منها:
إنفاقه كثيرا من أمواله في سبيل الله، ولذا قال النبي- صلى الله عليه وسلم : «ما نفعني مال قط مثلما نفعني مال أبي بكر» ، فبكى أبو بكر وقال : «وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله» «رواه أحمد والترمذي وابن ماجه»، وقد أعتق أبو بكر من ماله الخاص 7 من العبيد أسلموا وكانوا يعذبون بسبب إسلامهم منهم بلال بن رباح وعامر بن فهيرة.
عندما مرض النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمن حوله : «مروا أبا بكر فليصل بالناس» ، فقالت عائشة : يا رسول الله لو أمرت غيره ، فقال: «لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره» ، وقال عليّ بن أبي طالب: «قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر فصلى بالناس وإني لشاهد غير غائب ، وإني لصحيح غير مريض ولو شاء أن يقدمني لقدمني فرضينا لدنيانا من رضيه الله ورسوله لديننا».
عندما قبض النبي -صلى الله عليه وسلم- فتن الناس، حتى أن عمر بن الخطاب قال: «إن رسول الله لم يمت ولا يتكلم أحد بهذا إلا ضربته بسيفي هذا» ، فدخل أبوبكر وسمع ما قاله عمر فوقف وقال قولته الشهيرة : «أيها الناس... من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ... ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت».
بعد مبايعة أبي بكر بالخلافة أصر على إنفاذ جيش أسامة الذي كان النبي- صلى الله عليه وسلم- قد جهّزه وولى عليه أسامة بن زيد ، وكان فريق من الصحابة منهم عمر قد ذهبوا لأبي بكر وقالوا له: إن العرب قد انتفضت عليك ، فلا تفرق المسلمين عنك فقال : «والذي نفسي بيده لو علمت أن السباع تأكلني بهذه القرية لأنفذت هذا البعث الذي أمر الرسول بإنفاذه ولا أحلّ لواء عقده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده» ، واتخذ الجيش سبيله إلى الشام تحت إمرة أسامة.
واجه أبوبكر في بدء خلافته محنة كبرى تمثلت في ردة كثير من قبائل العرب عن الإسلام بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنعت بعض القبائل زكاة أموالها، وأمام هذه الردة جهز أبوبكر الجيش، وقرّر حرب المرتدين جميعا ، واعتزم أن يخرج بنفسه على قيادة الجيش، غير أن عليّ بن أبي طالب لقيه وقد تجهز للخروج فقال له : «إلى أين يا خليفة رسول الله؟ ضم سيفك ولا تفجعنا بنفسك ، فوالله لئن أصبنا بك ما يكون للإسلام بعدك نظام أبدا ، فرجع أبوبكر، وولى خالدا على الجيش ، وسار خالد فقضى على ردة طليحة الأسديّ ومن معه من بني أسد وفزارة ، ثم توجه إلى اليمامة لحرب مسيلمة بن خسر ومن معه من بني حنيفة ، وكان يوم اليمامة يوما خالدا، كتب الله فيه النصر لدينه، وقتل مسيلمة وتفرق جنوده ومضى المسلمون يخمدون نار الفتنة والردة حتى أطفأها الله تعالى.
لما أحس أبوبكر بقرب أجله شاور بعض كبار الصحابة سرا في أن يولي عمر بن الخطاب الخلافة من بعده فرحبوا جميعا ، غير أن بعضهم اعترض على غلظة عمر فقال أبوبكر: «نعم الوالي عمر، أما إنه لا يقوى عليهم غيره ، وما هو بخير له أن يلي أمر أمة محمد ، إن عمر رأى لينا فاشتد، ولو كان واليا للان لأهل اللين على أهل الريب»، ثم أمر أبوبكر عثمان فكتب كتابا باستخلاف عمر.
من أقواله
كان أبو بكر إذا مدحه أحد قال : «اللهم أنت أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم ، اللهم اجعلني خيرا مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون ، ولا تؤاخذني بما يقولون».
لما بايعه الناس خليفة للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ خطب فيهم فقال : «أما بعد... أيها الناس فإني قد ولِّيت عليكم -ولست بخيركم- فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أخطأت فقوموني ، ولا تأخذكم في الله لومة لائم».
عندما امتنع بعض المسلمين عن أداء الزكاة قرّر أبوبكر قتالهم، فذهب عمر إليه وقال له : «كيف تقاتلهم وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإن قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله»، فقال أبو بكر : «والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة من حق الله ، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه» ، قال عمر : «فلما رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال عرفت أن الحق معه».
من مواعظه
- «إن العبد إذا دخله العجب بشيء من زينة الدنيا مقته الله تعالى حتى يفارق تلك الزينة».
- «وكان يأخذ بطرف لسانه ويقول : «هذا الذي أوردني الموارد».
- «اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقه أنفسكم ، وأخذ على ذلك مواثيقكم، واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي ، وهذا كتاب الله فيكم لا تفنى عجائبه فصدقوا قوله ، وانصحوا كتابته ، واستضيؤوا منه ليوم الظلمة».
- قبل موته دعا عمر بن الخطاب وقال له : «إني مستخلفك على أصحاب رسول الله يا عمر: إن لله حقا في الليل لا يقبله في النهار، وحقا في النهار لا يقبله في الليل ، وإنها لا تقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة ، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه باتباعهم الحق وثقله عليه ، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق غدا أن يكون ثقيلا ، وإنما خفت موازين من خفت موازينهم يوم القيامة باتباعهم الباطل ، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفـا ... يا عمر إنما نزلت آية الرخاء مع آية الشدة وآية الشدة مع آية الرخاء ليكون المؤمن راغبا راهبا ، فلا ترغب رغبة فتتمنى على الله ما ليس لك،، ولا ترهب رهبة تلقي فيها ما بيديك».
وفاته
توفِّي أبوبكر - رضي الله عنه - في شهر جمادى الآخرة سنة 13 من الهجرة قيل: يوم الجمعة لسبع بقين من جمادى، وقيل : مساء ليلة الثلاثاء لثمانٍ بقين من جمادى الآخرة ، وصلّى عليه عمر بن الخطاب ، وكان أبوبكر قد ولد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم- بسنتين وأشهر، ومات بعده بسنتين وأشهر مستوفيا 63 عاما وهو نفس العمر الذي مات عنه النبي - صلى الله عليه وسلم، واستمرت خلافة أبي بكر سنتين و 3 أشهر وأياما.
وقال عمر في حقه : «رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعبا شديدا».
رثاه علي بن أبي طالب وهو يبكي بكاء عظيما يوم موته بكلام طويل منه : «رحمك الله يا أبا بكر، كنت إلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنيسه ومكان راحته، وموضع سره ومشاورته، وكنت أول القوم إسلاما ، وأخلصهم إيمانـا ، وأحسنهم صحبة، وأكثرهم مناقب وأفضلهم سوابق، وأشرفهم منزلة، وأرفعهم درجة، وأقربهم وسيلة، وأشبههم برسول الله هديا وسمة.... سمّاك الله في تنزيله صدِّيقـا فقال: «والذي جاء بالصدق وصدق به....»، فالذي جاء بالصدق محمد -صلى الله عليه وسلم- والذي صدق به أبوبكر، واسيته حين بخل الناس ، وقمت معه على المكاره حين قعدوا، وصحبته في الشدة أكرم صحبة، وخلفته في دينه أحسن الخلافة ، وقمت بالأمر كما لم يقم به خليفة نبي....».
ودفن أبوبكر ـ رضي الله عنه ـ إلى جوار الرسول ليكون معه في مماته كما كان معه في حياته . وترك من الأولاد : عبدالله ، وعبدالرحمن ، ومحمد ، وعائشة وأسماء وأم كلثوم .