رؤى / الآمدي وموازنته بين الطائيين

1 يناير 1970 12:53 م
|لطيفة جاسم التمار*|

الموازنة هي المفاضلة بين الشعراء، فإما أن تكون على أسس فنية، أو وفقا للأهواء وعصبيات القبائل، وهذا النوع من النقد لا فائدة منه لأن الأحكام فيه تفتقد إلى الموضوعية والمنهجية الآمدي والموازنة بين الشعراء.

وهذا إن دل فإنه يدل على روح بدائية ساذجة هي روح البداوة البعيدة عن الروح العلمية كل البعد.

أما الموازنة التي نحن بصددها فهي الموازنة المنهجية، القائمة على روح العلمية وهذه لا نجدها إلا عند الآمدي الذي كتب فيها كتابا نعتبره من أهم الكتب التي خلفها للتراث العربي. وأهم ما نلتفت إليه هو أن هذا الناقد المنهجي كان مقيدا بموضوع موازنته الموازنة وبطبيعة شعر أبي تمام والبحتري. وهذان الشاعران يمثلان في الشعر العربي ما يمكن أن نسميه بالكلاسيكية الجديدة. وما يمكن أن يقال في موازنة الآمدي إلا أنها موازنة فنية، ذات قيمة حقيقية وذلك بأمرين:

1 - أنه لم يقصرها على أبي تمام والبحتري، بل أحاط بكل معنى عرض له عند الشعراء المختلفين. فإذا تكلم عن التسليم على الديار مثلا لم يورد ما قاله الشاعران فحسب، إنما يورد ما قاله غيرهما، ويقارن بين الجميع.

2 - إنه لا يقف فيها عند مجرد المفاضلة بين الشاعرين، بل يتعداها إلى إيضاح خصائص كل منهما ما انفرد به دون صاحبه أو دون غيره من الشعراء. ونجد أن المعاني التي عالجها هذان الشاعران لم تكن لها علاقة مباشرة بحياتهما. ومقياس الناقد في الحكم هنا هو الذوق والإحساس الإنساني المباشر. وهنا سوف نعرض مثالا في وصف النساء المفارقات عند الشاعرين:

يقول البحتري:

عجلت إلى فضل الخمار فآثرت

عذباته بمواضع التقبيل

وتبسمت عند الوداع فأشرقت

إشراقه عن عارض مصقول

وقوله:

إذا ما نهى الناهي فلج بي الهوى

أصاخت إلى الواشي فلج بها الهجر

ويوم تثبت للوداع وسلمت

بعينين موصول بلحظهما السحر

يقول الآمدي ان المذهب الذي سلكه البحتري أولى بالصواب في وصف النساء المفارقات وأشبه بأحوالهن من مذهب أبي تمام في وصفه إياهن بشدة الجزع والوله والبكاء ولطم الوجه وذلك في قوله:

وقالت أتنسى البدر قلت تجلدا

إذ الشمس لم تغرب فلا طلع البدر

وقوله:

ما الدمع ثان عزمتي ولو أنه

سقى خدها من كل عين لها نهر

وينقد الآمدي هذه المعاني بقوله» ولو كان وصف بها زوجته وابنته لكان معذورا ولكنه إنما وصف حبائبه لأنه ذكرهن بالجمال والحسن، والزوجات لا يوصفن بذلك (1)».

ومع هذه الموازنة نعرف منهج الآمدي في الموازنة التفصيلية بين الشاعرين، واستنباط الأصالة لكل منهما في كل معنى عبرا عنه، ثم مقارنة ما قالاه بما قاله غيرهما من الشعراء، مع الحكم على تلك الأصالة حكما قائما على الذوق والحقائق الإنسانية العامة. وبذلك يصبح نقد الآمدي متميزا عن نقد ابن سلام، على الرغم من أنه تأثر به في منهجه وطريقته، إذ كانت نظرته مستوعبة شاملة، تميل إلى الإحصاء والدقة، كما تميل إلى تقنين نظرية نقدية أقامها على دعائم من التراث الأدبي والنقدي. والآمدي لا يريد أن يتحيز لأيهما في الموازنة، إنما يلاحظ أن من ينتصر لهذا الشاعر أو ذاك إنما يفعل ذلك لميله إلى اتجاه خاص في الشعر، وأما هو فلا يريد أن يفصح بتفضيل أحدهما على الآخر مطلقا، ولكنه يقارن بينهما مقارنات موضوعية ويترك الحكم الكلي للمتلقي، وهذا دون شك منهج علمي سليم، منهج رجل يرى المذاهب المختلفة ويقبلها، ثم منهج ناقد يرفض كل تعميم مخل ويقصر أحكامه على ما يعرض له من تفاصيل.





* ماجستير أدب عربي (1) المرجع: محمد مندور، النقد المنهجي عند العرب

[email protected]