كانت ولادته في الحي القبلي

النوخذة أحمد صالح السبيعي قضى حياته على ظهر السفن الشراعية متنقلاً مع أمواج المحيط الهندي المتلاطم والخليج الدافئ

1 يناير 1970 08:39 ص
| اعداد: سعود الديحاني |

نحن اليوم مع مسيرة احد نواخذة السفر الشراعي الذي كان شريان الحياة الاقتصادي في الكويت نتصفح حياة النوخذة احمد السبيعي من خلال كتاب كتبته ابنته خالدة... فنتطرق الى نشأته ثم دراسته بعد ذلك نسرد حياته البحرية بإسهاب فنذكر الموانئ التي وصل اليها ثم السفن التي قادها والحوادث التي تعرض لها، أحاديث شيقة ومتنوعة نقضيها مع احد رباب البحر الذي عشق البحر منذ صغره فإلى ذلك:



ولد النوخذة احمد صالح السبيعي في منطقة «القبلة»، فالوثائق والاوراق الرسمية تشير الى انه من مواليد عام 1917م بينما ذكر في احد اللقاءات الاذاعية التي اجريت معه انه من مواليد عام 1919م.

نشأ «أحمد السبيعي» في بيئة محافظة متدينة، كان والده - رحمه الله - يعمل في البحر غواصا (غيصا).

وكان «أحمد» في صباه نشيطا سريع البديهة كانت جدته - رحمها الله - تحكي له عن شقاوته فتقول: (كنت أخشى عليه فهو في طفولته سريع الحركة في احدى المرات سقط في «جليب» البيت لكن عناية الله لطفت به ولله الحمد.

تعليمه

دخل احمد السبيعي المدرسة وعمره عشر سنوات تقريبا.

وكانت اول مدرسة التحق بها هي مدرسة المباركية، وهي اول مدرسة نظامية في الكويت، ثم التحق بمدرسة السعادة التي أسسها السيد شملان بن علي في منطقة شرق، وكانت بعيدة نسبيا عن منطقة القبلة التي كان يسكنها احمد السبيعي.

ثم انتقل للدراسة في مدرسة «احمد الخميس» بمنطقة قبلة قرب بيت البدر، حيث ختم القرآن وتعلم القراء والكتابة ودرس الإملاء والحساب، وقد قضى في هذه المدرسة نحو ثلاث سنوات تمكن فيها من اجادة الكتابة والقراءة.

بدايته

لقد تحدث النوخذة احمد عن بداية دخوله الى البحر في احد اللقاءات قائلا:

(أول سفرة لي كانت في سنة 1930م دخلت البحر وأنا صغير كان عمري اثنتي عشرة سنة، خضت هذا المجال مع ابن عمتي النوخذة «عبدالوهاب العثمان»، أخذني معه في رحلاته لمدة 3 - 4 سنوات لتعلم فنون البحر واكتساب الخبرة التي تؤهلني لمهام اكبر، وبعد عودتي من السفر كنت اذهب الى المدرسة لاستكمال الدراسة، واستمر الوضع هكذا بين رحلات السفر معه والتي تستغرق تقريبا 7 - 9 أشهر وبين العودة للالتحاق بالمدرسة لمواصلة التعليم وهكذا)، ويواصل قائلا: (كنا نخرج من الكويت الى البصرة نحمّل التمر في بوم «تيسير» ونسن الى «كيتوار» في الهند وكانت حمولته 4000 مَنْ، برفقة النوخذة العم «عبدالوهاب العثمان»، ثم نسن الى «النيبار» وننزّل حمولة التمر ثم نتجه الى «كليكوت» هناك نستقر لمدة 3 أشهر تقريبا لتحميل البضائع من اخشاب وغيرها ثم نعلي الى الكويت).

لقد تعلم احمد السبيعي خبرات عديدة في مجال السفر في سفن الخشب الشراعية وفي اثناء رحلاته التدريبية مع النوخذة العم «عبدالوهاب العثمان» ومن المعلمين الذين رافقوه في رحلاته، تعلم معرفة الطول والعرض والقدرة على الخرائط البحرية ومسارات الطرق للموانئ البحرية والالمام بأنواع الرياح واتجاهاتها وأنواعها لأهميتها واعتماد السفن الشراعية عليها في الابحار، واستمر هذا التدريب ما بين 4 - 5 سنوات بعدها انصرف العم «عبدالوهاب» الى مباشرة شؤون التجارة، وحل محله بالايجار في السفن الشراعية نوخذه «يعقوب بشارة» وهو نوخذه ومعلم في آن واحد، وكان يرافقه احمد السبيعي حيث لايزال يتعلم فنون الابحار، وكذلك كان معه (عيسى) ابن النوخذه «يعقوب بشارة» كانا يتدربان معا وواصلا تعليمهما معا.

لقد تعلم احمد السبيعي كيفية استعمال البوصلة (الديرة) في يومين وهو صغير تقريبا 12-13 سنة فهمها وحفظها ومعرفة «البوصلة» او «الديرة» ليست بالسهولة التي قد نتخيلها الآن اي ان الامر لا يقتصر على التطلع الى البوصلة ومعرفة جهة الشمال الذي تتجه اليه الابرة الممغنطة، بل يقتضي من المتعلم معرفة جيدة بالنجوم الملاحية، فدائرة البوصلة تنقسم من حيث الجهات الى اثنين وثلاثين جزءا تسمى الاخنان لانها تقابل اخنان المركب، ويقابل كل جزء نجما من النجوم، وتنقسم الدائرة الى نصفين: الشرقي منها وفيه اخنان مطالع النجوم، والغربي وفيه اخنان مغاربها، وعليه فإن مسألة معرفة استعمال البوصلة معناها فهم شامل للنجوم الملاحية ومواقعها وكيفية الاهتداء بها.

وتعلم ايضا وهو في تلك السن المتقدمة كيفية استعمال الكمال الانكليزي (Sextant) وهي أداة تستخدم في تحديد موقع السفينة، وتكون فترة القياس في تمام الساعة 13 ظهرا، كما يستعين المعلمون ببعض الجداول والمعادلات الحسابية للتعرف على القواعد التي يستخرج منها خطوط الطول والعرض والتي تستخدم عادة عند العبور من الهند الى بحر العرب، وتعلم بالاضافة الى ذلك مهارة قراءة الخرائط البحرية (النوالي).

ويروي لنا احمد قائلا: (اتذكر حين كنت صغيرا متدربا مع النوخذه عبدالوهاب العثمان انه كان يقول للبحارة عندما يدرك بحساباته اننا قد اقتربنا من اليابسة، من منكم يرى البر؟ في الوقت الذي كنت اراه بوضوح واشير اليه بأصبعي فلا يعيرني اهتماما، ويكرر السؤال على البحارة فلايرد احد منهم بالايجاب.

وكنت اصر على مشاهدته بنفس الاتجاه فأراد العم عبدالوهاب ان يتأكد من صحة ما اقول فأشار بيده من وراء ظهره الى السكوني لتغيير اتجاه مقود السفينة دون علمي ليتغير اتجاه اصبعي، ثم عاد يكرر السؤال بعد تغير اتجاه السفينة، حتى ادرك العم عبدالوهاب - رحمه الله - انني رأيت البر بالفعل، وهنا نظر الي واشار بيده بأن أصمت خشية ان اصاب بعين من البحارة، كنت وقتها صغيرا ونظري كان قويا.

بعدها بمدة امر احد البحارة بالصعود الى الدقل لمشاهدة الساحل وهنا اشار الرجل الى نفس الاتجاه الذي اشرت اليه.

يقول احمد: (كنا نذهب الى النيبار حيث تبدأ رحلتنا من الكويت الى البصرة لنحمل التمر، ومن البصرة «نسن» ونتوقف في ساحل «كيتوار» مرورا بـ«خور براوه» ثم الى كليكوت ننزل بها حوالي شهر الى شهر ونصف الشهر ننتظر تجهيز الاخشاب والحبال، فنحملها متجهين الى مسقط وهناك نقوم بارسال برقية الى الكويت لنخبرهم بأننا عبرنا المحيط ووصلنا سالمين الى مسقط، وكان النوخذه هو العم عبدالوهاب العثمان، فهو يراقبنا جميعا وكنا نتعلم اصول المهنة على يديه، ويرافقنا ايضا المعلم عبدالعزيز بن شايع في السنوات الاخيرة كمساعد، حيث ان العم عبدالوهاب يتنقل من بلد الى آخر بحكم تجارته فيحتاج الى من يحل محله بين وقت وآخر، وكان يرافق رحلاتنا المجدمي علي العماني، وعادة ما يكون معنا نهامون، منهم عيسى بن شريدة اما النهام عبدالعزيز الدويش فقد عاصرته سنة واحدة وكلاهما جيد).

تيسير

بوم تيسير هو المحمل الاول الذي ركبه النوخذه احمد - رحمه الله - وهو صغير، ويتسع لاربعين بحارا، لقد اسند النوخذه العم عبدالوهاب العثمان لاحمد السبيعي مهمة قيادة المحمل الى البصرة ويدرك كلاهما ان البوم تيسير بوم ليس سهلا، ولاشك في انه رأى فيه ما يجعله يثق بأنه قادر على انجاز تلك المهمة خصوصا وان احمد السبيعي كان شابا يملؤه الحماس، والنشاط والهمة في ذلك الوقت.

يقول النوخذه احمد السبيعي عن تجربته الاولى في قيادة محمل تيسير: (لقد اوصاني المرحوم العم عبدالوهاب العثمان بخط سير محدد وهو عند عبور الكويت عليك ان تسلك طريق جزيرة عوهة ولا تعبر جهة جزيرة فيلكا او جزيرة مسكان بسبب ضحالة المياه في هذا الطريق وتحاشيا لاحتكام البوم بالقاع، تفهمت الاسباب ولكنني رأيت الظروف مواتية لعبور المحمل بسلام اذا ما سلكنا طريق فيلكا باتجاه البصرة فهناك 3 عناصر تؤمن ذلك اولها ان المد كان عاليا حيث كانت ايام حمل، والثاني ان عمق المياه اسفل المحمل كان مناسبا للعبور، والثالث هو اتجاه الرياح وسرعتها كانت مناسبة جدا، هنا قررت ان اختصر الطريق والوقت معا، وكنت حريصا على ان يمر المحمل بسلام.

كان البحارة متخوفين من فشل تلك «المغامرة» بعد عبور جزيرة «مسكان» رأينا بعض «أبوام الماي» متجهة الى الكويت فاخبروا العم عبدالوهاب العثمان بعد وصولهم الكويت بأنهم رأوا تيسير خارجا من جهة «مسكان» باتجاه «بوبيان» متجها الى «البصرة»، فرد عليهم لقد اختلط عليكم الامر فخط سيره مختلف عن هذا الطريق، فأكدوا له انهم يعرفون تيسير وبأن «نوخذاهم» احمد السبيعي رفع يديه يحيينا من بعيد، فأطرق رأسه العم عبدالوهاب مستنكرا عدم الامتثال لنصائحه، وبعد فترة وجيزة نقلت ابوام المياه الاخرى لحظة وصولها الى الكويت خبر وصولنا الى الفاو، عندها التقط العم عبدالوهاب انفاسه وقال الحمد الله.

ثم بعد ان التقيت به، استفسر عن عدم امتثالي لاوامره، فقلت له يا عم عبدالوهاب «يرى الحاضر ما لا يرى الغائب» وشرحت له الظروف المواتية للعبور بأمان وبسلام).

حين تسلم النوخذة أحمد السبيعي مهمة قيادة المحمل «كنوخذة معلم» كان عمره 27-30 عاماً تقريباً، وكان ذلك في محمل بوم العثمان اسمه «فتح الكريم» وهو أصغر من بوم «تيسير» وحمولته 2500 مَنْ، وقد رشحه النوخذة «عبدالوهاب العثمان» لتلك المهمة بعد أن وجد فيه الفطنة والقدرة على اتخاذ القرارات السليمة.

أما عن سفراته مع النوخذة «عبدالوهاب العثمان» والنوخذة «يعقوب بشارة» فيقول أحمد السبيعي: (لقد تنوعت خبراتي فقد سافرت سنتين مع النوخذة العم «عبدالوهاب» و3 سنوات مع النوخذة «يعقوب بشارة» بعد ذلك سافرت مع النوخذة «إبراهيم المشعل» في بوم تيسير كمساعد و«معلم» لمدة سنتين بعدها ذهبت كمعلم لدى النوخذة «عبدالعزيز بن شايع» لمدة سنتين وبعدها كنت مع النوخذة «راشد بن مبارك» كمعلم لمدة سنة. وذلك لحاجتهم لمن يجيد القراءة والكتابة في ذلك الوقت، وكذلك ركبت مع النوخذة عبدالله عبدالعزيز العثمان كمعلم، وآخرين حيث كان يصرف لي أعلى من القلاطة بقليل، أما آخر سفرة لي كمعلم كانت في سنة 1938م).

الضربات

سأله عن الضربات التي كانت تصادفهم في غبة البحر فيقول النوخذة أحمد (لقد تعرضنا لعدة ضربات وكثيراً ما تصادفنا بين المحيط الهندي وبحر العرب هناك ضربات عديدة ولكنها خفيفة، الحمد لله لم تصادفني ضربات كالتي واجهتني في السابق عندما كنت معلماً في بوم «عبداللطيف العثمان» عام 1939م وهي حادثة الصاعقة).

وهنا يروي لنا النوخذة أحمد السبيعي تلك الحادثة التي تعد من أصعب المواقف التي صادفها في رحلات السفر في السفن الشراعية والتي حدثت في سنة 1939م. حيث كان في العشرين من عمره، يقول: (سافرت مع النوخذة محمد صالح في بوم عبداللطيف العثمان كمعلم، في تلك السنة ضربتنا صاعقة في عرض البحر وكان عدد البحرية نحو 25 شخصاً. وكانت حمولة البوم 2000 مَنْ، حيث سافرنا من الكويت الى منطقة «القطيف» في الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية وحملنا «سُلوق» من القطيف الى الهند وبعنا حمولة «السُلوق» في «كراتشي» وكذلك في البنادر التي نمر عليها في اثناء سيرنا على الساحل الهندي. ومن «كليكوت» حملنا الأخشاب بعدها واصلنا الى «النيبار» وبعنا بضاعتنا هناك، وفي طريق عودتنا الى الكويت مررنا بالقرب من جزيرة الشيخ وتحديداً على بعد 70 ميلاً من البحرين اشتدت علينا رياح «الكوس»، قمنا بإنزال الشراع ووضعنا الجيب، ولكن الرياح تزداد مصحوبة بالبرق والمطر شديد والرعد يملأ السماء المشهد كان رهيباً، البحر أبيض من ضوء البرق في عز الليل والصواعق تتخطفنا من كل اتجاه، السفينة تتقاذفها الأمواج العاتية يمنة ويسره كأنها دمية صغيرة، في هذه الاثناء ضربتنا صاعقة شديدة أصابتنا جميعاً بالذهول وأوشكنا على الهلاك وشعرنا بدنو أجلنا، بعدها تجمدنا لحظات من شدة الهول لا أحد يدرك ما حصل فدعونا الله أن ينجينا مما نحن فيه ويرجعنا الى أرض الوطن سالمين، استمر دوِّي الرعد الذي يصُم الآذان طوال الليل وبعد أن هدأت الرياح قرب الفجر اكتشفنا أن الدقل قد تحطم نهائياً الى أوصال صغيرة متناثرة على الحبال، الى درجة انه في صباح اليوم الثاني قام الطباخ بتجميع الأجزاء الصغيرة من خشب الدقل فأشعلناه لطبخ طعامنا. وكان من بين بحارتنا أبناء النوخذة محمد صالح - رحمه الله - وهما عبدالله واسماعيل وكذلك السكوني عبدالرزاق المحميد وعبدالله المريخي وعمي «سعود السبيعي» و«ابراهيم المراغي» وغيرهم.

ومن شدة الصاعقة أصيب ستة من البحارة وجدناهم خلف اليمة بحالة يرثى لها جلودهم منسلخة من شدة الصاعقة من بينهم «ابراهيم المراغي» و«عبدالله المريخي» وعمي «سعود السبيعي» وآخرون، واصبح البوم بلا دقل.

وفي الصباح صار الهواء «كوس» وليس لدينا سوى دقل القلمي، وهذا لا يؤدي الغرض المطلوب، في تلك الاثناء وجدنا بوم معلي من البحرين وصرنا ننوف له ووضعنا مردي عليه مزوية سوداء لنثير انتباههم فيها وللأسف لم يرنا أحد، وما علينا إلا الاتكال على الله والتفكير بحلول موقتة توصلنا بسلام الى أقرب شاطئ، بدأنا بوضع الدستور محل الدقل وربطنا الجيب مع القلمي الى أن وصلنا الى البحرين التي تبعد من 60 الى 70 ميلاً عن موقعنا تقريباً.

ولو كان الهواء شمالاً لأصبح الوضع اشد خطورة على ارواحنا وبضاعتنا، واخيرا استطعنا الوصول إلى البحرين بسلام والحمد لله، واخذنا المصابين إلى المستشفى للعلاج، وذهبنا إلى رجل اسمه «فخرو» لشراء دقل جديد للمحمل.

وبعد اسبوع حملنا طعانا «رمل» من البحرين وابحرنا إلى كراتشي وحملنا قطنا من كراتشي إلى البصرة، ونحن معلون إلى البصرة وتحديدا قرب جزيرة «ام المرادم» توفي النوخذة «محمد صالح» بعد مرض استمر يوم وليلة فقط. وبندرنا في الجزيرة والهواء كان شمالا وخطفنا من ام المرادم إلى الزور وفي اثناء الليل دوق الهواء، ونحن متوجهون إلى الكويت وتحديدا عند منطقة الشعيبة فتوقفنا، وتم انزال الماشوه وذلك لدفن النوخذة «محمد صالح» هناك، وكتبنا رسالة إلى الكويت لنبلغهم فيها خبر وفاة النوخذة واننا متوجهون إلى الكويت بدلا من البصرة، وسلمنا الرسالة لاحد المارة بسيارته اللوري.

ووصلنا إلى الكويت مع لحظة تلقيهم لرسالتنا، حيث استقبلونا ونزلنا بعض البضائع بالكويت في ميناء الشويخ وهنا تأتي التشاشيل لتنزل البضاعة إلى النقعة، اما الحطب فعادة يتم انزاله في البحر على شكل شواويش باتجاه النقعة ليتم تسلمه.

وقليلا ما كان البحارة يموتون في غبة البحر بعيدا عن اليابسة ولكن يذكر لنا النوخذة صقر عبدالوهاب القطامي عن المرض الذي اصاب بحارته في البوم بالمحيط الهندي حيث توفي احدهم وقاموا بغسله وتكفينه ثم ربطوا الجثة بالصخر حتى تركس وتصل إلى قاع البحر، وكان كل يوم يموت واحد من البحارة لمدة 3 ايام وفي رحلته مع النوخذة «ابراهيم بن شايع» على السفينة تيسير، تركوا ميناء «جوا» الهندي في طريقهم إلى الكويت، وكانت تهب عليهم رياح قوية ليلا، فأنزل شراع البومية الأمامية، ولشدة الرياح ضربت حبال الشراع احد البحارة وهو «المجدمي» وألقته بحرا، فقام أحمد السبيعي بالقاء الدلو عليه محاولا انقاذه، ولكن بسبب الظلام الدامس ضرب الدلو رأس المجدمي، ولم يستطع ان يمسك بحبله، فما كان من احد البحارة الا ان القى بنفسه عليه، وتم بعد جهد انقاذ الاثنين.

آخر

عن آخر رحلاته يقول النوخذة: في سنة 1952 أبحرت من الكويت إلى الهند ولمدة 3 اشهر كنت في بوم أحمد عبداللطيف العثمان «بوناصر» هو النوخذة وانا مساعد له، اما آخر سفرة لي كنوخذة في السفن الشراعية كانت في 1948م، ولله الحمد خلال سفراتي كنوخذة (خلال 4 - 5 سنوات) لم تصادفني مشاكل او صعوبات كالتي صادفتنا من قبل حين كنت متدربا او معلما.

البترول

كانت تجارة التمر وغيرها لها مردود جيد على الجميع، لاننا نمر على عدة محطات في الهند، وحين نصل إلى آخر محطة تكون كمية التمور قد نفدت اما «مدينة جوا» فلا يقبلون على شراء التمور، ثم تأتي عملية شراء الاخشاب والحبال وجلبها من النيبار إلى مناطق الخليج.

ولكن توقفت حركة سفن الشراع الخشبية مع دخول السفن الكبيرة في المنطقة بعد ظهور البترول، حيث وجد البحارة وظائف في شركة النفط، التجار باعوا الخشب وكثرت الوظائف وارتفعت اجور الرواتب والتحق بعض النواخذة بالوظائف الحكومية واستغنوا عن البحر لان حياة البحر صعبة.

ويقول النوخذة احمد: (كنا نغترب عن اهلنا 6 - 7 اشهر او اكثر، وما هو بالخارج اصبح الآن موجودا بالكويت فلماذا العناء، حتى ان البعض من اصحاب السفن قام بتفكيك اخشابها وبيعها مثل بوم «الحمد» وغيرهم كثيرون لاشك في اننا حزنا على البحر وعلى الخشب رغم اننا وجدنا وظائف بأجور مغرية، منها قد تغير مصدر رزقنا واصبح اسهل واكثر فالمثل الشعبي يقول: «اشحادك يالمسمار؟ قال: المطرقة» كان بالسابق الوضع مختلفا فإن لم نذهب إلى البحر سنموت جوعا اما الآن فالرزق صار سهلا).

التحق النوخذة أحمد بوظيفة في وزارة الكهرباء والماء في سنة 1952م.

ويقول عن وظيفته: (ان تلك الوظيفة بالتأكيد مريحة وسهلة، ومع ذلك اتذكر في اثناء تسلمي للوظيفة طلبني عبداللطيف ثنيان في مهمة قيادة لنج صغير بغرض تجارة الذهب وكان اللنج محملا بـ 80 الف تولة ذهب متجهة إلى الهند وتحديدا في «جوا» فأخذت اجازة قصيرة وقمت باتمام هذه المهمة ثم عدت إلى الوزارة واستمررت بالعمل في الوزارة عدة سنوات كنت رئيس قسم التحصيل ثم استحدثوا مكاتب وفروعا اخرى فاصبحت مديرا ثم تقاعدت، ولو يعود بي الزمن لعدت إلى البحر من جديد فأنا من عشاق البحر).

وفاته

أما عن أحمد السبيعي الاب فكان رحمه الله نعم الوالد الطيب الحنون المحب لاهله وابنائه، له من الابناء تسعة، ثلاثة من الاولاد صلاح وهو الآن عميد ركن في الجيش الكويتي، وسليمان وهو مدير ادارة الدراسات والبحوث في مجلس الامة وخالد موظف في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وله ست بنات حرص على تعليمهن جميعا وكان ابا مثاليا مقربا من ابنائه صديقا لهم يبادلهم الآراء ويداعبهم بخفة ظله المعهودة.

وفي بداية شهر يونيو من عام 1995م، وفي اثناء نومه اصيب بنزيف حاد بالمخ ادخل على اثره المستشفى في غيبوبة لمدة اسبوعين، اسلم بعدها روحه إلى بارئها فجر يوم 12/6/1995م.

رحمك الله يا ابا صلاح لقد عشت محبوبا طوال عمرك وتركت الحزن على فراقك في قلب كل من عرفك.





الهاجري يبحر في ..... عبق التاريخ



إن توثيق التاريخ وأحداثه أمر في غاية الأهمية لأنه مرآة الأمم يعكس ماضيها، ويترجم حاضرها، ويستلهم من خلاله مستقبلها، ومع إيماننا أن كتابة أحداث الماضي تحتاج إلى أدوات وإمكانات خاصة، فإن هذا الكتاب الذي بين أيدينا ذات نكهة خاصة، فأهميته تنبع من تسجيله بعض الأدوار التي قامت بها مجموعة من أبناء الديرة ومن شاركوهم المسؤولية في بناء الكويت، وقدموا اسهاماتهم من أجل رفعة الوطن وهم كثيراً ما يغفل عنهم مدونو التاريخ، ولعله من النافع والمفيد تقديم هذه الجهود لتكون نبراساً لأبنائنا والأجيال اللاحقة والاستفادة من هذه التجارب والخبرات.

وأستاذنا الكريم منصور الهاجري في هذا الاصدار التوثيقي يقدم سفراً تاريخياً يضع بين جنباته رؤى وخبرات وتجارب وتراجم وسير عشرات الشخصيات الكويتية والعربية في مختلف الاتجاهات والمجالات والتخصصات الأدبية والاكاديمية والفلكية فكل له تجربته ومساره وطريقته في حياته التي سار فيها على هذه البسيطة عبر سني عمره فيستخلص منها زبدها التي هي نتاج عمره.

وبما أن هذا العمل بحث ميداني فلا يخلو من الكلل والتعب والجهد الدؤوب الذي يشكر عليه مؤلفه ليضع مرجعاً كان مصدره أفواه الرواة في المكتبة الكويتية التي هي بحاجة لمن يسلك طريق الأستاذ الكريم ويدون ويسطر ما غفل عنه الآخرون.

والجدير بالذكر أن مؤلف هذا السفر «صفحات كويتية بين الماضي والحاضر» هو أحد التربويين والاعلاميين المبرزين. فقد تتلمذ على يديه كثير من أبناء بلدنا الكويت المعطاء. وليس هذا أول أعماله فقد سبق هذا الكتاب مؤلفات عدة منها: «زهيريات كويتية»، «شخصيات من بلدي الكويت»، «فنانون من بلدي الكويت»، «رجالات من الموانئ الكويتية»، «النواخذة ربابنة السفن الشراعية»، «نساء من بلدي».