إشراقات النقد / «ارتطام لم يسمع له دوي» لبثينة العيسى... هدوء يسبق العاصفة

1 يناير 1970 01:29 م
|سعاد العنزي|

الانا والآخر من أهم الأفكار التي عبرت عنها رواية المبدعة بثينة العيسى, التي حرصت دوما على تقديم رواياتها بعناوين بالغة الشعرية, مثل رواية «سعار», ورواية «عروس المطر», مما يؤكد على وعي الرواية في ان يكون العنوان مرتبطا ارتباطا وثيقا في المتن الروائي, يتواتر في النص بصور متعددة **, ويعطي أكثر من قراءة تأويلية, التي تخلق تعددا وتنوعا.

وعنوان رواية «ارتطام لم يسمع له دوي», يحيل النظر الى مفهوم الارتطام, ما المقصود بالارتطام, ولم يأت العنوان جملة خبرية, تخبر بان الارتطام لم يسمع له دوي؟

هل هو ارتطام عادي بحيث لا يؤثر على ساحة الأحداث, أم انه الهدوء الذي يسبق العاصفة؟!

هل هو مصطلح مأخوذ من ارتطام المجرات؟

الذي يحدث انفجارا؟ وخللا في البنى والمكان الذي يحدث في الارتطام؟

وبقراءة المتن الروائي يبدو ان شخصيات الرواية تعاني من ارتطام, وصراع, وصدام بين الحضارات, بين الانا والآخر, بين الفتاة المقبلة من البداوة والصحارى العربية الى السويد حتى تؤدي الاختبارات التي تخوضها في مسابقة أولمبياد للطلبة الفائقين, فتحدث أول هزة وجدانية لها عند الوصول الى السويد:

«كان يوما صيفيا من أيام آب, لا يشبه الأيام الصيفية التي أعرفها, وكان «أبسالا» التي ألامس ثراها لأول مرة ترفض ان تنصاع لأعراف الصيف والشتاء لديّ, فلا يمكن ان يحدث ولا في الأحلام- ان يهطل الرذاذ في يوم كهذا... في الكويت, هناك».(1)

فتبدو أول صدمة وارتطام في الرواية, يتطور ويتنامى ويتصعد الارتطام في الرواية, وصولا الى حدة الصراع, الذي قد يؤول على أكثر من أفق, فهل هو نوع من صدام الحضارات بين الحضارة العربية والحضارات الغربية الأوروبية والآسيوية, وغيرها, فيصبح الارتطام موازيا لمفاهيم ومصطلحات فلسفية وسياسية كثرت في الآونة الأخيرة حول صراع الحضارات واصطدام الحضارات, مما أثقل كاهل الفتاة وجعلها تصل حد الاعياء والتقيؤ لهذا الواقع الذي يكشف عن مدى انهزامية المغلوب أمام الغالب.

وتتعدد وجوه الارتطام, من مثل ما يبرز في قاعة الاختبار الذي يجمع ممثلي الدول من كافة انحاء العالم:

«نكتة قديمة جدا, مثولي- للمرة الخيبة- بين أيديهم, لأشرئب بعنقي فيعرف الجميع بانني في المؤخرة, لا لسبب سوى انني أحمل جلدا بلون الصحراء, ويقع علي ان أحمل تبعات أجيال انصرمت في التهاون , لأكون في وجه المدفع وأتلو «أمن أسس بنيانه على شفى جرف هار فانهار به في نار جهنم», «أي جهنم.. هذه!». (2)

***

تتزايد الصدامات بين الفتاة والآخرين الذين مثلوا حضاراتهم, وما أفرزته من انتاج وتقدم, لتكتشف انها في نكوص وتخلف لا يعود لها, ولكنه يعود الى البيئة والثقافة والمؤسسات التربوية التي أفرزت الفشل والتخلف, وعلى الرغم من ان العرب والمسلمين ينطلقون من خلفية دينية تدعو الى الانطلاقة من أساس سليم, وألا ينطلقوا من جرف هار, وتكمن مفارقة أخرى تتضح في النص, عبر آلية «التناص», وتوظيف النص الديني في الرواية.

وهو نفسه ما يؤكده مؤلف كتاب «العرب والغرب في الرواية العربية», الدكتور حسن عليان, وهو يبحث في هذه الجدلية الاشكالية في العلاقات العربية والغربية, فكانت من بينها اشكالية الدونية والاندهاش, فيعلق على ذلك, بقوله:

«وقد تبدت ثنائية القوة والضعف عبر ثنائية الرؤية المقارنة والمفارقة بين التقزم والعملقة, اذ يتلاشى منطق القوة الوهمية أمام المحك والتجربة في دائرة صراع القوة المحلية والأجنبية». (3)

فكانت الرواية صدى لعدة من الصدامات, التي جعلت من العنوان أيقونة دالة لها, وعدم سماع صوت للارتطام... قد يدل على انه صدام وصراع أفكار من دون صدام حقيقي, وأيضا قد يولد العنوان فكرة ان هذا الارتطام سابق لارتطامات قد يكون لها دوي, وقد يؤثر على تاريخ العلاقات بين الحضارات , مما يؤدي الى صراع واصطدام.

***

وقد تكون هذه نظرة استشرافية من خلال العنوان قدمتها الروائية, نرجو الا تتطابق وأرض الواقع, ونتعايش في أفق انساني أرحب وأوسع.





* كاتبة وناقدة كويتية

* من بحث للناقدة عنوانه «رواية المرأة الكويتية من المحلية الى العالمية: مقاربة نقدية في البنية المضمونية وتقنيات السرد».



* الهوامش

(1) بثينة العيسى, رواية «ارتطام لم يسمع له دوي», دار المدى, سورية, الطبعة الأولى 2004م, ص9.

(2) الرواية, ص51.

(3) الدكتور حسن عليان, «العرب والغرب في الرواية العربية», دار مجدي لاواي, عمان, الطبعة الأولى, عام 2004م, ص34.