ممدوح إسماعيل / أفغانستان... مقبرة الجنرالات

1 يناير 1970 06:31 ص
تصدر خبر إقالة الجنرال ماكريستال وتعيين الجنرال بترايوس قائداً لقوات الاحتلال وسائل الإعلام في العالم، وتحدث الجميع عن الخسائر في صفوف قوات الاحتلال ومتى يتحقق نصر سريع لقوات الاحتلال، وقد نسي أولئك أن أفغانستان ذلك البلد المسلم لم ينحن على مدار التاريخ لمحتل بداية من الإسكندر المقدوني، مروراً بالبريطانيين، حتى السوفييت، وأخيراً أميركا.

تسعة أعوام مرت على العدوان والاحتلال الأميركي المدعوم من النيتو فلم تنحن جبال قندهار رغم من قتل الآلاف من المدنيين، وتشريد الملايين، وهدم آلاف المنازل، ولكن لم تنحن أفغانستان. وقد حاولت العسكرية الأميركية تجربة جميع الطرق الاستعمارية من:

- محاولة اختراق صفوف «طالبان»، وشق صفوفها، وتقسيمها إلى معتدلين ومتشددين فلم تفلح المحاولة.

- محاولة تحييد القبائل الأفغانية ودفعها للتعاون مع قوات النيتو ومجابهة «طالبان» ففشلت المحاولة.

- محاولة تجنيد ميليشيات على غرار صحوات العراق ففشلت المحاولة.

- محاولة زيادة جرعة التغريب في المجتمع الأفغاني وفصله عن عاداته وتقاليده ففشلت المحاولة.

- محاولة دعم الحكومة الأفغانية الموالية لقوات الاحتلال بكل أنواع الدعم المالي كي تكون قوية أمام المقاومة ففشلت المحاولة وانتشر الفساد.

- محاولة تشجيع «طالبان» على الانخراط في العملية السياسية، واغرائها بعدد من المقاعد في الحكومة الأفغانية ولكن فشلت المحاولة.

فلم يجد جنرالات الجيش الأميركي مفراً من طلب الزيادة من القوات العسكرية الأميركية فتمت الاستجابة وزادت القوات، وتم توجيه كل التركيز الأميركي على أفغانستان، ومع ذلك زاد الفشل الأميركي في المستنقع الأفغاني، وكان شهر يونيو الفائت هو شهر الدم، فقد قتل، كما صرح المتحدث باسم قوات النيتو، مئة جندي منهم بمعدل ثلاثة كل يوم، وهو أعلى معدل قتل تم خلال الأعوام التسعة الفائتة لقوات الاحتلال. وقد تواكب ذلك مع ما أعلن عن تصريحات ساخرة من الجنرال ماكريستال قائد قوات الاحتلال في أفغانستان تجاه القادة الأميركيين بدءاً من أوباما إلى قادة في الجيش فتمت إقالته، والمعلن أنه بسبب تلك التصريحات، والحقيقة أنه بسبب الفشل الأميركي فلم تنجح كل خطط جنرالات أميركا المدربين أعلى تدريب ومعهم أحدث أسلحة على هزيمة الأفغان البدائيين البسطاء الفقراء. وتم تعيين بديل له الجنرال بترايوس لعله يحقق أي إنجاز يحفظ للعسكرية الأميركية ماء الوجه في ذلك البلد الشديد المراس.

الحقيقة التي يتهرب منها القادة الأميركيون أنهم يحاربون شعباً وليس قوات متمردة، أو ميليشيا مارقة. وهو شعب صلابته أقوى من جبال بلده، وطبيعته أشد من قسوة طبيعة بلده، شعب اكتسب كل فرد فيه من قوة كل صخرة وجبل قوة نشأ عليه الرضيع وشب عليها الكبير، شعب لايعرف الوهن، شعب مؤمن بعقيدته وبحقه في الاستقلال والحرية.

والعسكرية الأميركية غبية لا تفكر إلا في قوة أسلحتها المادية فقط، ولا تدرك أن أفغانستان غير العراق، فالعراق الجبهات مختلفة، والخلافات منتشرة، والأرض سهلة زراعية بعكس أفغانستان، فالجبهة واحدة والأرض قوية جبلية صخرية لا تختلف عن الشعب.

ويبقى أن تغيير الجنرالات لن يفيد، وأن تعيين الجنرال بترايوس أعتقد أنه آخر فصل في ملف الاحتلال الأميركي لأفغانستان، وهو آخر جنرال أميركي، ومهمته تنحصر في فتح طريق للخروج الآمن للقوات العسكرية الأميركية من أفغانستان. ولكن هل يعي أوباما الدرس في أفغانستان مبكراً أم ينتبه عندما يجد المقاومة الأفغانية تقول له، عبر هزيمة منكرة في المستنقع الأفغاني، وبأعلى صوت: انتهى الدرس يا أوباما.

وأخيراً إن عناد القوى الطاغية لحق الشعوب في الحرية والاستقلال لا يدوم أبداً مهما كانت قوة الطغاة.





ممدوح إسماعيل

محامٍ وكاتب

[email protected]