أوراق ملونة / الشيخ صباح السالم الصباح... حاكم العصر الذهبي

1 يناير 1970 10:19 ص
| بريشة وقلم علي حسين الجاسم |

مازالت الذاكرة تحتفظ بصور حفل الاستقبال الشعبي للراحل الشيخ صباح السالم- طيب الله ثراه- بعد عودته من رحلة العلاج، وكيف كنا حينها في مدارس المتوسطة قد أمرنا منذ طابور الصباح بان نبقى في المدرسة بعد نهاية الدوام، استعدادا لنقلنا كمجاميع طلبة الى استقبال سموه في طريق عودته من مطار الكويت القديم.

وعندما حانت الساعة الواحدة، وزعت وجبات الغداء في مطعم المدرسة الكبير وصعدنا منتظمين الى الباصات البيضاء الطويلة، كما وزعت علينا اعلام الكويت الصغيرة ونحن نردد طوال الوقت ما تعلمناه من مدرس الرياضة البدنية هتاف مدرسة الفيحاء المتوسطة: «عاش أميرنا صباح السالم عاش عاش عاش»، وعند الوصول لساحة المطار الكبيرة نزلنا قبل هبوط الطائرة باكثر من ساعتين انتظمنا نحن ومدارس الكويت الاخرى، صفوفا طويلة نلوح بعلم الكويت ونهتف للامير بصوت واحد من حناجر لم تكل او تمل.

انتظرنا وانتظرنا حتى لاح موكب سموه من بعيد، وعلت اصوات الاهالي قبلنا التي أتت من كل فج بعيد مهللة ومرحبة، لم نستطع رؤية الموكب لازدحام المكان ولقصر قامتنا، فصعد اغلبنا سيارات المواطنين التي وقفت خلفنا واستطعنا حينها رؤية امير البلاد وقد أخرج الجزء العلوي من جسمه من سيارة المرسيدس المفتوحة، مطلا برأسه إلى الناس ملوحا بيده تارة ورافعا عقاله تارة اخرى شاكرا الجميع حفاوة استقبالهم الكبير له.

وبعد ان انتهى مرور الموكب صعدنا الى الباصات فرحين تغبطنا سعادة غامرة، فالكل كان يقول لزميله هل رأيته الشيخ... هل رأيته؟ فكان جواب الكل: نعم... نعم رأيته... وقد بالغ بعضنا حين اخبرنا ان سموه قد حياه من بين الجموع الهائلة؟ مشاعر حب واحساس صادق لهذا الرجل المتواضع، الذي احب شعبه بكل عطف ورحمة، فما ان حطت قدميه سالما أرض المطار حتى خاطب مستقبليه بابيات شعر شعبية خرجت من القلب الى القلب «أنا وشعبي كلبونا جماعة، الدين واحد والهدف أخدم الشعب، لو ضاق صدر الشعب ما أستر ساعة، أضيق من ضيقة وأستر لو حب».

صدق في قوله فكان همه وهدفه خدمة الشعب والكويت، التي شهدت نهضتها على يديه بكل الميادين، فبعهده الميمون دشنت المشاريع الكبرى كالجزيرة الاصطناعية لتصدير النفط، وافتتاح مشروع الغاز الكبير في ميناء الاحمدي، وإنشاء جامعة الكويت عام 1966 كاكبر صرح علمي في البلاد آنذاك،، وتم افتتاح معهد الكويت للأبحاث العلمية، وافتتاح البنك المركزي الذي عزز قيمة الدينار وتداولاته. كما نعم شعب «بوسالم» بمزايا كبيرة في رواتبهم وسكناهم فقد امر سموه ببناء 4000 وحدة سكنية وفرت لطبقة الدخل المحدود، كما اصدر في عهده قانون احتياطي الأجيال المقبلة الذي يقضي باستقطاع نسبة عشرة في المئة سنويا من الإيرادات العامة للدولة.

فكان عصر الشيخ صباح السالم هو العصر الذهبي لدولة الكويت، التي بلغت ريادتها في جميع المجالات لتصبح الكويت «درة الخليج» بلا منازع ينشد الجميع الاقتداء بها.

ولم تأت الريادة من فراغ، فكان لتأسيس الكويت الحديثة «رجال حكم» اخذوا على عاتقهم مسؤولية النهوض بها بكل الوسائل المتاحة آنذاك، وهو ما سجله التاريخ للشيخ صباح ابن سالم المبارك الكبير، حين قام بتأسيس دائرة شرطة الكويت عام 1938 بتكليف من حاكم الكويت انذاك الشيخ أحمد الجابر، حين كان عدد افرادها نحو ثمانين شخصا، وقد احضر الشيخ صباح عام 1955 أول بعثة من الشرطة المصرية إلى الكويت للعمل على تدريب رجال الشرطة، وكانت تضم سبعة ضباط وخبيرا مدنيا في البصمات، وقد قاموا بأعمال الإدارة والتفتيش والتدريب، ومنهم من عمل في إدارة المباحث الجنائية وضباط لتدريب قوة الشرطة وآخرون للآداب وتنظيم المرور وتحقيق الشخصية. وبقيت دائرة الشرطة والامن العام على هذه التسمية حتى 1961. ثم اصبح اول وزير خارجية لدولة الكويت في اكتوبر1961. بعد ان تولى لفترة دائرة الصحة. التي شهدت على يديه الكثير من التقدم في مجال الخدمات الطبية، فاصدر قانون يلزم بتسجيل كل مولود جديد وتطعيمه ضد مرض الجدري، الذي كان يضرب الكويت من حين إلى آخر كان آخرها في عام 1932 حين توفي 4000 شخص بسبب هذا المرض، كما حارب مرض السل الذي كانت الكويت تعاني منه حيث إفتتح مركزًا لعلاجه، وقام بإرسال فريقا من الأطباء يجوبون البلاد لتوعية الناس عن خطورة المرض. كما قام بافتتاح مستشفى الصباح والذي يشغل مساحة 407.000 قدم مربع «124.053 متر مربع»، وكلف 3.7 مليون دينار كويتي لبنائه. وكان له دور في قبول الكويت كعضو في منظمة الصحة العالمية وذلك في مايو 1960.

وبعد ان اجريت اول انتخابات لمجلس الامة في الكويت، عين رئيسا لمجلس الوزراء ليشكل أول حكومة في العهد الدستوري، وكان قبلها قد عين وليا للعهد وذلك في أكتوبر من عام 1962.

وبعد وفاة اخيه الشيخ عبدالله السالم تولى الحكم في 24 نوفمبر 1965، وأدى اليمين الدستورية في مجلس الأمة في جلسة خاصة، ليصبح الحاكم الثاني عشر لدولة الكويت يعين بأمره الشيخ جابر الاحمد الصباح وليا للعهد، رحم الله الشيخ صباح فكان نموذجا للحب والعطاء الكبير لوطنه الكويت.





* كاتب وفنان تشكيلي

[email protected]