ألقى خطبة الجمعة بحضور الرئيس اليمني وكبار المسؤولين والعلماء و20 ألف مصلٍ

إمام المسجد الكبير من فوق منبر جامع الصالح بصنعاء لليمنيين: تمسّكوا بوحدتكم واعتزّوا بوطنكم وعمّروه بتقوى الله

1 يناير 1970 10:03 ص
| كتب عبدالله متولي |

استضافت الجمهورية اليمنية إمام وخطيب المسجد الكبير بدولة الكويت الدكتور وليد محمد عبدالله العلي، وذلك لتوثيق الأواصر الثقافية وتوطيد الروابط الاخوية.

وقد تخلل الزيارة التي استغرقت بضعة أيام إلقاء العلي لخطبة الجمعة الموافق 25/6/2010 من فوق منبر «جامع الصالح» بالعاصمة صنعاء، وتم بثها على الهواء مباشرة عبر قنوات اليمن الفضائية (اليمنية - سبأ - الايمان)، وسط حضور حاشد زاد على عشرين ألف مصلٍ يتقدمهم الرئيس اليمني علي عبدالله صالح وكبار المسؤولين في الدولة، وسفراء الدول العربية والاسلامية وكوكبة من العلماء وطلبة العلم.

وقد طالب إمام المسجد الكبير في خطبتي الجمعة الاخوة اليمنيين بضرورة التمسك بوحدتهم، وحب الوطن والاعتزاز به، والعمل على اعماره واستقراره بتقوى الله عز وجل، مؤكداً على ان الله عز وجل قد جعل خروج الروح من الجسد مساوياً وموازياً لخروج الرجل من البلد، وهذا دليل على أهمية الأوطان التي غرس الله تعالى حبها العقول السليمة والفطر المستقيمة، ضارباً أمثلة من السنة النبوية المطهرة على ذلك، مدللاً بموقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند خروجه من مكة، وكذلك صحابته الكرام وكيف اثر فيهم هذا الموقف تأثيراً بالغاً.

وأشار العلي في خطبته الى ان التقريب عن الوطن من أعظم الابتلاءات لذلك جعلته الشريعة الاسلامية من جملة العقوبات، وان مصالح الوطن مقدمة على مصالح الوالد والولد، وأن الانتماء والولاء للأوطان مقدم على الولاء والانتماء للقبائل والعوائل.

وانتهى العلي إلى القول بأن الوحدة نعمة من الله عز وجل ممن كفر بها ألبسه الله لباس الخوف والجوع وتحول حاله من العزة والمنعة إلى الذل والخضوع، وإليكم نص الخطبة:

الحمدُ للهِ المَلِكِ المنَّان، الذي خلقَ الإنسان، وغرسَ في فِطْرتِه حُبَّ الأوطان، فصدَّقَتْ ذلك العقولُ والأذهان، أحمدُ ربي حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه يملأُ الميزان، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ المُنزَّهُ عن الأندادِ والأولادِ والأعوان، وأشهدُ أنَّ نبيَّنَا مُحمَّداً عبدُاللهِ ورسولُهُ المُؤيَّدُ بالحُجَّةِ والبُرهان، فصلَّى اللهُ وسلَّم عليه وعلى آلهِ وأزواجهِ وأصحابهِ ومن تَبِعَهُم بإحسان، صلاةً وسلاماً مُتَجَدِّدَيْنِ بِتَجَدُّدِ الأزمان.

أما بعد: فأوصيكم يا عُمَّار هذا البلد التَّليد؛ بتقوى اللهِ الحميدِ المجيد، وأُذكِّركم بحملِ الأمانةِ فهي الفعلُ السَّديد، «يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً) (الأحزاب: 70-71).

يا أربابَ النُّفوسِ الكريمة: إنَّ ربَّكم تباركَ وتعالى ركَّبَ في الفِطَرِ المُستقيمة؛ وغَرَس في العُقولِ البشريَّةِ السَّليمة، حُبَّ مُهُودِ الصِّغَرِ ومَنازلِ الصِّبا القديمةِ.

نقِّل فُؤادَك حيثُ شئتَ من الهوى

ما الحـبُّ إلا للحبيـبِ الأوَّلِ

كَـمْ منزلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفتى

وحنينُـه أبـداً لأوَّلِ مـنـزلِ

إنَّه الوطنُ؛ الذي تألفُ أرضَهُ وسماءَهُ وبحرَهُ وبرَّهُ، إنَّه المنزلُ؛ الذي تعشقُ سهلَهُ وجبلَهُ وبردَهُ وحرَّهُ، فهو بُكرةُ الطُّفولة، وأَصيلُ الرُّجولة.

وَلِي وَطَنٌ آلَيْتُ أَنْ لا أَبِيعَهُ

وَأَلا أَرَى غَيْرِيْ لَهُ الدَّهْرَ مَالِكَا

عَهِدْتُ بِهِ شَرْخَ الشَّبَابِ وَنِعْمَةً

كَنِعْمَةِ قَوْمٍ أَصْبَحُوا فِي ظِلالِكَا

فَقَدْ أَلِفَتْهُ النَّفْسُ حَتَّى  كَأَنَّهُ

لَهَا جَسَدٌ لَوْلاهُ  غُودِرْتُ هَالِكَا

وحبَّبَ  أَوْطَانَ الرِّجـالِ إِلَيْهِـمُ

مَآرِبُ قَضَّاهَا الشَّبـَابُ هُنَالِكَا

إِذَا ذَكَرُوا أَوْطَانَهُمْ ذَكَّرَتْهُمُ

عُهُـودَ الصِّبا فِيهَا فَحَنُّوا لِذَالِكَا

لذا كانَ ثرى الوطنِ الذي تَطَؤُهُ بِرِجْلَيْك: عَدِيلاً لنَفَاسَةِ رُوحِكَ التي بين جَنْبَيْك، كما قال تعالى: «ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوا إلا قليل منهم ولو انهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً» (النِّساء: 66).

فجعلَ اللهُ تعالى خروجَ الرُّوحِ من الجسد: مُساوياً ومُوازياً لخروجِ الرَّجُلِ من البَلَد.

ويُصدِّق ذلك معشرَ الإخوةِ الكِرَام: ما جاء في فجرِ الإسلام؛ في مطلعِ بعثةِ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلام، حين اصطحبته أُمُّ المؤمنينَ خديجةُ بنتُ خويلدٍ رضي الله عنها إلى ابنِ عمِّها ورقةَ بنِ نوفلٍ، فقالت: (أيْ عمِّ؛ اسْمَعْ مِنِ ابنِ أخيكَ. فقالَ ورقةُ بنُ نوفلٍ: يا ابنَ أخي؛ ماذا ترى؟ فأخبرَهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خبرَ ما رآه، فقال له ورقةٌ: هذا النَّاموسُ؛ الذي أُنزلَ على مُوسى عليه السلام، يا ليتني فيها جَذَعاً؛ يا ليتني أكون حيَّاً؛ حين يُخرجُك قومُك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مُخْرِجِيَّ هُم؟ فقال ورقةٌ: نعم، لم يَأْتِ رجلٌ قطُّ بما جئتَ به إلا عُودِي، وإن يُدْرِكْنِي يومُك: أَنْصُرْكَ نَصْراً مُؤزَّراً) أخرجه البُخاريُّ ومُسلمٌ من حديثِ عائشةَ رضي الله عنها.

فتأمَّلوا كيفَ راجعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ورقةَ في إخراجِهِ من بلدِهِ، ولم يُراجعه في إخباره بعِدَاءِ قومِهِ وأذيَّتِهم له في جَسَدِه.

فلمَّا أُخرجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال لمكَّة: (ما أطيبَكِ من بلدٍ، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أنَّ قومِي أخرجوني منكِ: ما سكنْتُ غيرَك) أخرجه التِّرمذيُّ من حديثِ عبدِاللهِ بنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

معشرَ الإخوةِ المُؤمنين: لقد شقَّ على الصَّحابةِ رضوانُ الله عليهم أجمعين: الخروجُ من موطنهم مكَّةَ البلدِ الأمين، فأصابتهم من لوعةِ ذلك الأوجاعُ والأسقام، حتَّى خُشِيَ على بعضِهم أن تتخطَّفَهُ يدُ المنون وكُرباتُ الحِمام، فقد أخرج البُخاريُّ عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لَمَّا قَدِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ: وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ؛ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ وَيَا بِلاَلُ؛ كَيْفَ تَجِدُكَ؟

فكان أبوبكرٍ إذا أخذته الحُمَّى يقول:

كُلُّ امرئٍ مُصبَّحٌ في أهلِـهِ

والموتُ أدنى من شِراكَ نعلِهِ

وكان بلالٌ إذا أَقْلَعَ عنه الحُمَّى يرفعُ عقيرَتُهُ يقولُ:

ألا ليتَ شِعْري هل أبيتنَّ ليلةً

بوادٍ وحَوْلِـي إِذْخِرٌ وجَلِيلُ

وهَـلْ أَرِدَنْ يوماً مِياهَ مِجَنَّةٍ

وهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وطَفِيلُ

وقال: اللَّهُمَّ الْعَنْ شيبةَ بنَ ربيعة؛ وعُتبةَ بنَ ربيعة؛ وأُميَّةَ بنَ خَلَفٍ؛ كما أَخْرَجُونا من أرضِنَا؛ إلى أرضِ الوباء.

ثُمَّ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلينا المدينةَ كحُبِّنا مكةَ أو أشدَّ، اللَّهُمَّ بارك لنا في صاعِنَا وفي مُدِّنا، وصَحِّحْهَا لنا، وانْقُل حُمَّاها إلى الجُحْفَة).

حُبُّ الدِّيارِ شَرِيعَةٌ لأُبُوَّةٍ

فِي سَالِفٍ وفَرِيضَةٌ لِجُدُودِ

معشرَ الأحباب: تأمَّلوا في مُوافقةِ الشَّريعةِ لعقولِ ذَوِي الألباب، فلمَّا كانَ التَّغريبُ عن الوَطَن: من أعظم الابتلاءاتِ والمِحَن: جَعَلَتِ الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ التَّغريبَ من جملةِ العُقُوبات، كما جاءت أحكامُه في قَضَايا الحُدودِ والتَّعزيرات.

فتأمَّلوا في حكمةِ الشَّارعِ الحكيم؛ وكيف جمعَ في عُقوبةِ الزَّاني اللَّئيم؛ -إنْ كان بِكْراً- بين جلدِه مائةً مع التَّغريب، لِمَا في الغُربةِ من شدَّة الإيلامِ والتَّعذيب، فلمَّا لم يكن الجَلْدُ وحدَه كافياً في الزَّجرِ والتَّأديب: غُلِّظَ عليه بالنَّفيِ والإبعادِ والتَّغريب.

وكان أميرُ المُؤمنينَ عمرُ بنُ الخطَّاب رضي الله عنه يَجْلِدُ في الخمرِ ثمانين، ويحلقُ الرَّأسَ وينفي عن الوطنِ تعزيراً لشاربِ الخمرِ وعبرةً للمُعتبرين.

فتصادَقَتْ أماراتُ النُّقولِ القويمةِ؛ مع علاماتِ العُقُولِ السَّليمة؛ في الدَّلالةِ على أنَّ الرُّوحَ تَحِنُّ أبداً إلى وطنِها من الأرض، لأنَّ الوطنَ قسيمُ المالِ والدَّمِ والعِرْض.

فَدَارُ المرءِ هِيَ عِشُّهُ، وفيها مُستقرُّه وعَيْشُهُ، فَمَيْلِكُ إلى أرضِ مَوْلِدِكَ، مِنْ كَرَم أصلِكَ ومَحْتِدِكَ، لأنَّ الحُرَّ لا يَجْفُ أرضاً بها قَوَابِلُهُ، ولا يَنْسَ أبداً بلداً فيه أهلُهُ وقَبَائِلُهُ.

قِيلَ لبعضِ الأعرابِ: ما الغبطة؟ قال: الكفاية مع لُزُومِ الأوطان، والجُلُوس مع الإخوان. قيل: فما الذّلَّة؟ قال: التَّنقُّل في البُلدان، والتَّنحِّي عن الأوطان.

وَمَنْ لَمْ تَكُنْ أَوْطَانُهُ مَفْخَراً لَهُ

فَلَيْسَ لَهُ فِي مَوْطِنِ المَجْدِ مَفْخَرُ

وَمَنْ كَانَ فِي أَوْطَانِهِ حَامِياً لَهَا

فَذِكْرَاهُ مِسْكٌ فِي الأَنَامِ وَعَنْبَرُ

اللَّهُمَّ آمنَّا في الأوطانِ والدُّور، وأَصْلِحْ اللَّهُمَّ لنا عواقبَ الأُمور.

أقولُ ما تسمعون وأستغفرُ الله لي ولكُم ولسائرِ المُؤمنين، من كُلِّ ذنبٍ فاستغفروه وتُوبُوا إليه فيا فوزَ المُستغفرين.



الخطبة الثَّانية

الحمدُ للهِ الواحدِ القهَّار، العزيزِ الغفَّار، الذي أَوْدَعَ في الأفئدةِ حُبَّ الدِّيار.

أحمدُ ربِّي حمداً كثيراً طيِّباً مُباركاً فيه على تصريفِه الأُمورَ كما يشاءُ ويَخْتَار.

وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ؛ وكُلُّ شيءٍ عندَهُ بمقدار.

وأشهدُ أنَّ نبيَّنَا مُحمَّداً عبدُ اللهِ ورسولهُ المُصطفى المُختار.

فصلَّى اللهُ وسلَّم عليه وعلى آلهِ الأبرار؛ وأزواجهِ الأطهار؛ وأصحابهِ الأخيار، صلاةً وسلاماً ما تعاقبَ اللَّيلُ والنَّهار.

أما بعد: فأُوصيكم معشرَ المُسلمين ونفسي بالتَّقوى؛ فتمسَّكوا بها فهي عُروةُ دينِكُم الوُثقى.

معشرَ الإخوةِ الكرام: هذه دلائلُ شريعةِ الإسلام؛ تَكْتَنِفُها فِطَرُ وعقولُ الأنام، في حُبِّ الوطنِ والسَّعيِ إلى جَعْلِه دارَ سلامٍ.

فالعيونُ في حمايةِ ورعايةِ مصالحِ الوطن: ساهرةُ اللَّيلِ لا يأخذُها نومٌ ولا وَسَنٌ، والنُّفوسُ تَبْذُلُ لأوطانِها الغَالِيَ والنَّفيسَ وإنْ أدركَ ماءَ حياتِها الأَسَنُ، في سبيل المُحافظة على ما أسبغه اللهُ تعالى على بلادِها من وافرِ المِنن؟

قد اشرأبَّت الأعناق إلى أَمْنٍ وسِلْمٍ يَحُوطُ من المَخَاوِف، وتطلَّعت القُلُوب إلى نِعَمٍ وهِبَاتٍ لا تُكدِّرها المَتَالِف.

فمن طَمِعَ في غِنى لا يُفْسِدُه فَقْرٌ، وحنَّ إلى حُكْمٍ لا يَكْتَنِفُه قَهْرٌ: فعليه بالوُحْدة التي لا تقبلُ الافتراق، واللُّحْمَة التي تَنْأى عن الشِّقَاق.

فمن منَّا يُدرك أنَّ مصالِحَ الوطنِ والبلدِ: تَسْبِقُ حُظوظَ النَّفسِ ومصالحَ الوالدِ والولدِ، وأنَّ ولاءَهُ وحفظَهُ من الاضطراباتِ والغوائلِ، مُقدَّمٌ على الولاء والانتماء للقبائلِ والعوائلِ، وأنَّ الحرصَ على بحبوحةِ عَيْشِهِ وسلامةِ أمنِهِ من الاضطراب، هو الميزانُ الذي تُوزنُ به الطَّوائفُ والتَّحالفاتُ والأحزاب.

فإيَّاك ثُمَّ إيَّاك أن يُؤتى الوطنُ من ثَغْرِكَ، وَلْيَكُنْ لسانُ حالِكَ: نحري دون نحرِكَ.

بِلادِي هَواهَا فِي لِسَانِي وَفِي فَمِي

يُمَجِّدُهَا قَلْبِي ويَدْعُو لَهَا فَمِي

ولا خَيْرَ فِيمَنْ لا يُحِبُّ بِلادَهُ

ولا فِي حَلِيفِ الحُبِّ إِنْ لَمْ يُتَيَّمِ

يا أهل اليمن السَّعيد: قد حباكم الله تعالى بالفضل المزيد، يوم آويتم إلى رُكن الوُحدة الشَّديد، فطُوبى لكُم إن شكرتُم اللهَ تعالى على ما أنتمْ فيه من النِّعم، وكُنْتمُ يداً واحدةً في حفظِه ودفعِ ما يتربَّصُ به من النِّقم.

قد أظلَّتكم هذه الوُحدة المُباركة بظلالها الوارفة وآتتكم ثمارها اليانعة، وخصَّتكم بآثار الأُخوَّة الماتعة وجاءتكم ببركات الاجتماع النَّافعة.

جَاءَتْكَ مِثْلَ بَدائِعِ الوَشْيِ الذِي

مَا زَالَ فِي صَنْعَاءَ يُتْعِبُ صَانِعاً

أو كَالرَّبيعِ يُريكَ أَخْضَرَ يَانِعاً

وَمُورِّداً شَرِقاً وأَصْفَرَ فَاقِعاً

فمن كفر بهذه النِّعمة المُسداةِ؛ وجحدَ وأنكرَ هذه المِنَّةَ المُهداةَ: فَسَتُلْبِسُهُ سُنَّةُ الله تعالى لباسَ الخوفِ والجوع، وسَيَصِيرُ بعد العِزَّةِ والمَنعةِ إلى الذُّلِّ والخُضُوع، قال تعالى: «وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأيتها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون» (النحل:112).

فاتقوا الله في هذا الوطن أيها المؤمنون، وراقبوا مصالحه فيما تسرفون وفيما تعلنون، وامتثلوا قول الله تعالى: «يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون» (آل عمران: 102-103).

فالناس بالافتراق والشقاق متخطفون، وبالخوف والتلف والفقر والقهر مزلزلون، فتذكروا نعمة الله تعالى عليكم.

أيها المؤمنون، «واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون» (الأنفال:26).

وليكن مسك الختام، معشر الاخوة الكرام: ترطيب ألسنتكم بالصلاة والسلام على خير الأنام امتثالاً لأمر الملك القدوس السلام، حيث قال في أصدق قيل وأحسن حديث وخير كلام: «إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً» (الأحزاب:56).

اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على مُحمَّدٍ وعلى آلِ مُحمَّدٍ، كما باركت على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيم، في العالمين، إنَّك حميدٌ مجيدٌ.

وارْضَ اللَّهُمَّ عن الأربعةِ الخلفاءِ الرَّاشدين والأئمَّةِ الحُنفاءِ المهديِّين، أُولي الفضلِ الجليِّ؛ والقدرِ العليِّ: أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ؛ وعُمرَ الفاروقِ؛ وذي النُّورينِ عُثمانَ؛ وأبي السِّبطينِ عليٍّ.

وارْضَ اللَّهُمَّ عن آل نبيِّك وأزواجِه المُطَهَّرِين من الأرجاس، وصحابتِه الصَّفوةِ الأخيارِ من النَّاس.

اللَّهُمَّ اغفرْ للمُسلمينَ والمُسلماتِ؛ والمُؤمنينَ والمُؤمناتِ، الأحياءِ منهم والأمواتِ.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك من الخير كُلِّه، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشَّرِّ كُلِّه، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك من خير ما سألك عبدك ونبيُّك صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من شرِّ ما عاذ به عبدك ونبيُّك صلى الله عليه وسلم.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك الجنَّة وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ، ونعوذ بك من النَّار، وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ.

اللَّهُمَّ احفظ أهل اليمن، وآمنهم في الوطن، وادفع عنَّا الفتن والمحن؛ ما ظهر منها وما بطن.

اللَّهُمَّ وَفِّق وُلاةَ أُمورهم لحملِ الأمانة، وارزقهم صلاحَ البطانة، واحفظهم من كيد أهلِ البغيِ والخيانة.

عباد اللهِ: اذكروا الله ذكراً كثيراً وكبِّروه تكبيراً وكبروه تكبيراً، قال تعالى: «اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون» (العنكبوت: 45).