د.عبداللطيف الصريخ / زاوية مستقيمة / أربعة آلاف كيلو بلا مطبّات

1 يناير 1970 05:00 م
اكتشف بعد رحلة طويلة بالسيارة مررنا خلالها على ست دول أوروبية، وعرجنا على أكثر من ثماني عشرة عاصمة ومدينة وقرية، أننا قطعنا مسافة تزيد على أربعة آلاف كيلو متر، والغريب العجيب أنه لم يواجهنا خلالها أي مطبات اصطناعية، لا في الطرق الرئيسية، ولا حتى في الطرق الفرعية داخل القرى الصغيرة.

اكتشفت هذه الحقيقة بعد رجوعي للكويت أثناء قيادتي للسيارة، فقد تبرمجت على عدم وجود مطبات أثناء السير، فالبشر هناك تبرمجوا على التزام الخطوط الأرضية، ومسارات المرور، واحترام القانون، وعدم الوقوف في الأماكن غير المخصصة للوقوف، وتبرمجوا على احترام الآخرين في الطريق عندما يستعملون الإشارات لتجاوز الخطوط الأرضية والانتقال من مسار إلى آخر.

تعلمت أن الحضارة ليست فقط بالعمران والمباني، وكثرة المجمعات التجارية وناطحات السحاب، واقتناء أحدث التكنولوجيا والتباهي بها أمام الآخرين، ولبس أفضل وأفخم الملابس والساعات وأقلام الماركة، ولكنها، أي الحضارة الحقيقية، تتلخص في احترام القانون، واحترام الإنسان لأخيه الإنسان، فوزارة الداخلية هناك ليست في حاجة إلى وضع مطبات اصطناعية عند المدارس والمستوصفات، أو داخل الطرقات الضيقة وأمام البيوت، فسائقوا السيارات ملتزمون بالضوابط وأخلاقيات القيادة، وفي الوقت نفسه يعلمون أن هناك قانوناً صارماً ينتظرهم في حال تجاوزهم، قانوناً يحترمه الكبير قبل الصغير، قانوناً يحفظ الحقوق، وينظم الحياة، قانوناً لا يعاقب الكثرة بجريرة القلة، قانوناً لا يقوم على مبدأ (الخير يخص والشر يعم)، أبداً.

الأخلاق هي عمود الحضارة، ومتى انهدم تهشمت مظاهرها المزعومة على رؤوس أهلها، فالحضارة ليست في تشديد العقوبات، ولجم الحريات، من خلال تعديل قانون المرئي والمسموع، وحرمان الكثرة المنضبطة أخلاقياً من التعبير عن رأيها، الحضارة أن نطبق الموجود من القوانين كما أراد المشرع، لا كما نريد حسب أهوائنا، الحضارة أن يقوم الصحافيون بدور ذاتي أكبر في تفعيل ميثاق أخلاقيات المهنة، وأعني أن تتحرك فينا نوازع الرقابة الذاتية، فلا نسمح بتخطي الخطوط الحمراء، سواء على المستوى الديني أو الوطني أو الاجتماعي، حتى لا نسمح لعقليات الاستبداد بوضع مطبات أكثر في طريق حرية التعبير، مطبات من الممكن أن تتكسر عليها أقلام حرة من باب الحفاظ على الأمن والوحدة الوطنية.





د.عبداللطيف الصريخ

كاتب كويتي

[email protected]