متابعة X متابعة / أصابت الفرنسيين بنزف الدم وذرف الدموع بدلا من «العطس»

«أنفلونزا ... الديوك»

1 يناير 1970 07:06 ص
| كتب مصطفى جمعة |

هل هي ازمة منتخب فرنسا لكرة القدم ام هي ازمة الامة الفرنسية قاطبة، سؤال فجره رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دو فيلبان المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية سنة 2012 وهو يعلن تأسيس حركة سياسية جديدة «الجمهورية المتضامنة» يعتزم من خلالها ان يطرح على اليمين بديلا عن خصمه اللدود الرئيس نيكولا ساركوزي وفرضه اخفاق ثم تمرد ثم سقوط «الديوك» في مونديال جنوب افريقيا لكرة القدم، ليؤكدا مجددا حالة التمزق في نسيج فرنسا بلد الحرية والعدالة والمساواة بعدما عادت العنصرية تطل بأبشع صورها، بعدما تخلصت على اثر توحدها بفوز فريقها الوطني «الديوك» للمرة الأولى ومن الواضح لآخر مرة بكأس العالم 1998، بفضل تنوع اصول لاعبيها من 13 دولة افريقية.

واكد هذا اعتراف وزير الداخلية الفرنسي بريس اورتفو بان بلاده شهدت خلال العام 2009 اكثر من 1026 عملا عنصريا» منها «220 حادثا و806 تهديدات».

ولعل بيان اللاعبين الفرنسيين تضامنا مع اللاعب المطرود من «عش الديوك» في جنوب افريقيا انيلكا يقول الكثير وكل كلمة فيه مئات من الاحرف التي تدين الاتجاهات العنصرية التي وصلت حتى الى منتخب فرنسا الذي انتقده زعيم اليمين المتطرف جون ماري لوبان مجددا بسبب امتلاء الفريق بلاعبين ذي البشرة السوداء لا يمثلون من وجهة نظره الشعب الفرنسي وأضاف لوبان أن فرنسا لا يمكن أن تعرف نفسها في هذا الفريق الذي يغلب عليه اللاعبون الملونون حسب تعبيره.

وجاء في بيان لاعبي المنتخب الفرنسي عقب قرار الاتحاد الفرنسي لكرة القدم بطرد اللاعب انيلكا من منتخب الديوك انتصار لمدربه دومينيك الذي تلقى من اللاعب عبارات بذيئة على حد ما نشر في صحيفة الايكيب «جميع لاعبي المنتخب الفرنسي من دون استثناء يرغبون في تأكيد رفضهم لقرار الاتحاد الفرنسي بطرد نيكولا انيلكا».

واضاف البيان «نأسف للحادث الذي حصل بين شوطي المباراة التي جمعت المكسيك وفرنسا، ونأسف ايضا لتسريب الحدث الذي يمت فقط لمجموعة متماسكة ولمنتخب من مستوى عال».

وتابع «بطلب من اللاعبين، فان اللاعب الذي وجه اليه الاتهام دخل في محاولة لمناقشة هذا الامر، ونأسف لان محاولته رفضت قصدا».

واتهم البيان «الاتحاد الفرنسي الذي لم يحاول في اي لحظة المحافظة على المجموعة، لقد اتخذ القرار من دون استشارة اللاعبين، وبنى قراره على اقوال صادرة في الصحف، لذلك ومن اجل ابداء الاعتراض على القرارات التي اتخذتها السلطات العليا.

والمنتخب الفرنسي يعاني من مشاكل لا حدود لها منذ ان تولى دومينيك المسؤولية بسبب انه يكيل بمكيالين بين اللاعبين لدرجة انه سحب اشارة القيادة للفريق من اللاعب الذي يستحقها تاريخا ولاعبا الى ايفرا.

وقد وصفته إذاعة «ار.تي.ال» إنه دائما متقلب، يغير أفكاره ولاعبيه ومفاهيمه. لقد حان الوقت أن نتحدث عن ذلك». وقال عنه روبير بيريز لقناة «تي.اف.1» قائلا «المنتخب الفرنسي يعد صورة لمدربه. فإن لم يكن المدرب جيدا، لا يكون الفريق جيدا.

واعادت القناة الخامسة الفرنسية الى الاذهان مواقف مدرب الابطال فرنسا 1998 إيمي جاكي للمقارنة بأفعال العنصري دومينيك لقد قال جاكي عندما اجتمع بلاعبيه في غرفة تغيير الملابس بكلارفونتان: يجب أن نكون مع بعضنا وأن نكون يداً واحدة... يجب أن نركز... فما سيحدث الآن على قدر مهم من الأهمية... ولا أعتقد أنكم أدركتم ذلك بعد.

لقد كان يدرك إيمي جاكي بان معظم الشعب الفرنسي لم يكن على قناعة بأن فرنسا ستقارع عمالقة الكرة المستديرة.. بل من امن بقدرة «الديوك» وقتها على انتزاع اللقب كانوا قلة، واحقاقا للحق كان الجميع حينذاك لايلام بدليل ما قاله نجم فرنسا الأول زين الدين زيدان إذا كان والحق يقال... قبل بدأنا لم نكن نظن أننا سنفوز بكأس العالم، نعم كنا نحلم بتحقيق اللقب ولكن لم نكن نتوقع أننا نستطيع ذلك .

لقد صنع جاكي من افراد معظمهم مجهولين الي ابطال، لكن فشل دومينيك، رغم ان منتخب فرنسا من وجهة نظر سير أليكس فيرجسون «هذا الفريق يبدو على الأوراق أفضل من منتخب إنكلترا. انظر إلى نجومه... أبيدال، إيفرا، تيرى هينري، ريبيري، أنيلكا، جوركييف، لكن فوق أرض الملعب لاتجد شيئا.. هذا حال فرنسا منذ حصولها على لقب الوصيف فى مونديال 2006 بألمانيا»، ولعل ما صرح به زعيم كتلة حزب الخضر بالبرلمان الاوروبى دانيال كون بنديت، لمحطة «أوروبا1» الإذاعية يكشف سر من اسرار الاخفاق الفرنسي في المونديال حيث قال «من غريب أن يعرف اللاعبون كيفية لعب كرة القدم ولكن عندما يلعبون معا يؤدون بشكل سيئ. إنهم لا يلعبون. لا يحبون بعضهم البعض، اما دومينيك ليس مدربا، إنه فقط شخص يدفع باللاعبين على أرض الملعب.

لقد شكل انجاز 1998 صورة فرنسا الجديدة أمام نفسها وأمام العالم.. الوطن متعدد الأصول والأعراق... إلا أن الكبرياء الفرنسي سقط في مونديال 2002 حين خسر المنتخب أمام السنغال، فكان ذلك انتصارا لطبقة البروليتاريا أمام طبقة النبلاء كما قال الفرنسي برونو ميتسو مدرب السنغال وقتها.

ودومينيك لغز محير للفرنسيين , إذ يُعتبره البعض شخصية غامضة للكثيرين، رغم ان تعيينه على رأس الطاقم الفني للديوك في البداية ثمنه الكثيرون وأشادوا بروح التواصل التي تمتع بها منذ توليه قيادة سفينة المنتخب، لكن عاب عليه الآخرون ضعفه بعد المشوار الكارثي خلال نهائيات امم اوروبا 2008

ورغم أن دومينيك لم يستطع تحقيق أي إنجاز كبير صحبة المنتخب، إلا أنه المدرب الذي أشرف أطول مدة على تدريب منتخب فرنسا إذ يرى البعض أن السبب يكمن في وصوله للمباراة النهائية لكأس العالم 2006، لكن في طريق التأهل الي مونديال 2010 آمنت كل الجماهير الفرنسية، وحتى اللاعبين عشية مباراتهم المصيرية مع المنتخب الإيرلندي في ملحق التصفيات بأن «الغاية تبرر الوسيلة»، حيث ضمنوا تذكرة التأهل بشق الأنفس خلال مباراة الملحق، بتحقيق التعادل (1-1) بعد أن انتهت مباراة الذهاب بفوز أصدقاء هنري (1-0). وإيمان الفرنسيين بهذا القول نابع من المشاكل الجمة التي عاشوها طيلة الدور التأهيلي الخاص بالمجموعة السابعة، سواء خلال مواجهاتهم لصربيا أو رومانيا أو حتى ليتوانيا.

كما عاش الشارع الكروي الفرنسي على إيقاع هزة عنيفة بعد انهزام الديكة أمام النمسا (3-1). وأمام وضع حرج مثل هذا، كان لزاما على لاعبي ريمون دومينيك الانتفاضة بقوة، فتعادلوا مع صريبا خارج قواعدهم (1-1)، رغم لعبهم بعشرة لاعبين وتأخرهم في النتيجة. ثم عادوا ليدكوا شباك جزر الفارو بخماسية نظيفة، قبل أن يجهزوا لاحقا على منتخب النمسا (3-1).

وسئل دومينيك بعد خسارة منتخبه امام المكسيك في جنوب افريقيا... هل يعتبر الخسارة فشلا لسياسته على رأس الجهاز الفني أجاب «نعم، هكذا هي الامور».

واوضح «لا أملك تفسيرات حول طريقة لعب المنتخب، ولو كنت املكها لوجدنا حلا لهذه المشكلة، لا شك بان النية موجودة والرغبة ايضا، لكن دائما هناك شيء لا يسير كما نشتهي، ولا يعمل بطريقة صحيحة».

يذكر ان دومينيك سيترك منصبه بعد نهائيات كأس العالم الحالية، وسيحل مكانه مدافع المنتخب السابق لوران بلان.

لقد لخص مدير منتخب فرنسا لكرة القدم في مونديال 2010 جان لوي فالنتان الوضع المأسوي في فريقه الذي 2010 بكلمتين «اشعر بالخزي»، واعتق.

لقد اطلعت على الصحف الفرنسية وقرأت ما يزيد على 200 تعليق وجهوا فيها كل أنواع الشتائم للاعبين كونهم جاهلون وليس لديهم الروح الوطنية للدفاع عن فرنسا في إشارة إلى أن أغلبهم يأتي من عائلات مهاجرة من افريقيا.

بل لاموا حتى زين الدين زيدان لأنه نصح أحد اللاعبين بأن يقترح على المدرب تغيير الخطة التي لعب فيها ضد المكسيك, ووصفوه بأنه تدخل فيما يعنيه كما يعتبرونه السبب في خسارتهم كأس العالم 2006 ومنزعجون جدا من حضوره لمباراة الجزائر.

واخيراً لقد اصابت فرنسا كلها بـ«انفلونزا... الديوك» لكن استبدلوا العطس بذرف الدموع ونزف الدم على الامال الذي ضاع والحلم الذي تبدد في ليالي افريقيا السمراء التي اصبحت لهم «السوداء».