د. وائل الحساوي / نسمات / الهروب من السجن الكبير

1 يناير 1970 11:43 م

من منا لم يشاهد في حياته قطاً قد حبسه اصحابه في حجرة او مكان ضيق، وكيف تصرف بغرابة من أجل الخروج وأصبح يصطدم بالحوائط ويضرب في كل مكان ويصيح؟!

تصور هذا المشهد على شعب كامل عدده 1.5 مليون نسمة، حبسه أعداؤه في رقعة من الأرض لا تتجاوز 1.3 في المئة من سكان فلسطين في ظروف معيشية هي اشبه بمعيشة الجرذان من حصار وتجويع وقمع وغارات دائمة وقتل وسحل وهدم للبيوت، ثم مع ذلك كله اقدم المجرمون اليهود على قطع امدادات الوقود وبالتالي قطع جميع مرافق الحياة من كهرباء وماء وتدفئة وتشغيل للمستشفيات وأوقعوا غزة في ظلام دامس نكاية بشعبها الذي اختار حكومته في انتخابات نزيهة فكانت عاقبته الذل والهوان، لقد شاهدنا مناظر 200 ألف فلسطيني من أبناء غزة يكسرون جدران السجن الذي وضعهم فيه العدو الإسرائيلي ليعبروا رفح حاملين امتعتهم دون ان يدروا إلى أين سيذهبون وكيف سيعيشون ولكنه بالنسبة لهم خروج من ذلك السجن الكبير.

وحسناً فعلت الحكومة المصرية التي لم تتعرض لهم لمعرفتها بوضعهم المأسوي في بلادهم، لكن العدو الصهيوني المجرم قد وجدها فرصة سانحة ليتخلص منهم ولتفريغ غزة من سكانها حتى يخلو له الجو لتنفيذ مخططاته القذرة في احكام سيطرته على فلسطين، وبعد ان رضخت الحكومة الصهيونية للضغوط الدولية ووعدت بتوفير الوقود لأهالي غزة، قامت مرة اخرى بمنع الوقود عنهم بسبب عصيانهم وفرارهم إلى مصر - كما تدعي - ولكنها في الحقيقة ارادت ان يزداد عدد النازحين إلى مصر لتتخلص من اكبر عدد منهم.

لقد اشتكى اليهود مما اسموه بالهولوكوست (المحرقة) التي ارتكبها هتلر ضدهم ومازالوا يبتزون الدول الكبرى ويكسبون التعويضات لقاء تلك المحرقة المزعومة، بينما هم اليوم يمارسون محرقة من نوع آخر ضد شعب كامل دون أدنى خوف او حياء.

ولسنا نتعجب الا ممن مازال يصدق بأن المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية عندها مصداقية او أنها تمثل المجتمع الحر في العالم بينما تدعم هذا النظام العنصري المتوحش الذي يبيد اعداءه دون حياء ولا رحمة، بل وتدعم جميع الأنظمة الديكتاتورية في العالم!! عندما نسمع مندوبيهم يلطمون الخدود ويولولون حزناً على شعب «دارفور» بسبب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها ويطالبون المجتمع الدولي بالسماح لهم بالتدخل لحماية شعب دارفور، فإننا نزداد عجباً كيف لا تصل أعينهم إلى ما هو أقرب، في فلسطين، والإبادة الجماعية ضد سكانها الأصليين حماية للنظام الفاشي هناك!! وكيف يتحول الشعب الفلسطيني المعتدى عليه، والضحية إلى إرهابي في نظرهم؟! ان هذا الظلم الصارخ والليل الطويل لسكان فلسطين هو ايذان بقرب هلاك الظالمين بإذن الله، فإن الله تعالى لا يتخلى عن عباده، وإن طغيان بني إسرائيل في الأرض هو إنذار بقرب دمارهم بإذن الله (وقضينا إلى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيرا....... فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة، وليتبروا ما علوا تتبيرا).

د. وائل الحساوي

[email protected]