حبيبتي... للمرة الأخيرة أقولها لك، وسامحيني لمرة واحدة فقط فلن أعيدها ثانية، لقد شفيت تماماً منك، وأصبحت أذكرك دون تلعثم، وأراك دون ارتعاش، وأصافحك دون إحساس، أليس هذا ما كنت تريدين؟
حبيبتي، للمرة الأخيرة أقولها لك، فلن تسمعيها مرة جديدة مني، فأنا اليوم برئت من كل أغانيك، وما عادت تهزني ضحكتك، وما عادت تثيرني نظرتك، ولا ألقي بالاً لحديثك، حبيبتي، للمرة الأخيرة أقولها لك، فلا تصدّقيني فيما أقول، لقد اكتشفت بعد طول عناء، أني كاذب كبير، وفاشل كبير، وممل كبير، أعانك الله على كذبي وفشلي ومللي.
أريد العودة قليلاً إلى الوراء، مع علمي «أن في الذكرى ألم»، ومثلي يذوب عشقاً كلما كان ألم الذكرى عظيماً، وأنا لم أعد أستطع تحديد البداية، لكنها بالتأكيد قبل عشرين عاماً، يومها أحببتك بصمت، واعترفت لنفسي بهذا الحب، واقتنعت بهذا الاعتراف، ورضيت، لكن الأمور راحت تتسارع بشكل عشوائي، ولم تغادري يوماً أحلامي، حتى أنك تذكرين يوم أخبرتك عن رؤياي لوالدك في المنام، لكني يومها لم أخبرك كل الحقيقة، فقد هالني هذا المنام الرؤيا، وخفت من وقعه عليك، أما الآن فلا أجد ضرراً في أخبارك كل الحقيقة. فلقد جاءني والدك السلطان يومها وقبل أن يموت بقليل، وأخبرني أنك لي مهما طال الزمان، وطلب مني حمايتك حتى من نفسك، وأعلمني بكل ما يعرفه عنك، وأنك عنيدة وصاحبة قرار، وشرح لي قصتك كلها، حتى أنه أخبرني عن شعرك الطويل الذي قصصته دون مبرر، وفسر لي يا ابنة السلطان معنى الحزن الدائم في عينيك خلف كل الضحكات، وسلمني أسرارك كلها، وتلك التي تناسيتها، ثم أمسك بيدي واصطحبني إلى غرفة وسط بيتكم، وأراني سريرك تحيط به ألعابك، وطلب مني أن أستريح على السرير حتى ألامس دفئك الباقي عليه منذ الطفولة، وجلس بقربي ناظراً إلى عيني، وقال: «يا بني آمرك بالحفاظ عليها، والسهر عليها، واخدمها برموش عينيك، ولا تقل لها يوماً لا، وكنْ ظلها كيفما تتحرك، فابنة السلطان عليها كل العيون، وحدك تستطيع دفع سحر العيون، فأنت يا ولدي مكتوب في الأزل حبيباً لها، رجلها الأول والأخير، ومهما غابت عنك، وأبعدت أقدار الدنيا بينكما، فأرسل قلبك يحميها، من كل وحوش الغاب، مسكينة هي، لا تتركها حتى لو طلبت ذلك، فقدرها أن تشقى وتشقيك.
وفي نهاية الزمان، وقبل حدوث الطوفان، ستأتيك وتصعد مركبك الوردي، وترمي عليك كل تعب الدنيا، وهي لن ترتاح أبداً، إلا بين يديك، فانسَ كل الأخطاء، واترك كل الماضي، فلها كل المستقبل معك، ولن تندم.
ثم ألقى برأسه على كتفي وهمس بأذني كلمات لم أفهم منها إلا اسمك، وغاب عن دنيانا، ولقد أومأت برأسي بعدها إشارة مني بالموافقة.
وتسألين بعد ذلك، لماذا أنتِ بالذات؟، هل عرفت الآن... لا يهم. المهم اليوم أني أحبك أكثر فحاولي منفردة أن تحافظي على حبي، فبعدي أنا درب طويل، وظلام أبدي، ووحشة أخشى عليك منها.
أنا حقاً أشعر بالندم، على يوم لم أعرفك به، على عمر لم تكوني فيه معي، وعلى قمر لم أحلم به لأجلك، وعلى قوس قزح لم أصنعه من أجل عينيك. صدقيني، أنا ما ندمت يوماً، على ليلة حب عشتها معك، فلماذا تندمين؟ أنا ما ندمت لحظة على أفضل حب حصلت عليه، بربك اخبريني، علام الندم؟ على قبلة لم أعرف مثلها في عمري، أم على لمسة اذابتني شوقاً وحنيناً، أم على نظرة ما رأيت بحياتي عيوناً تستطيعها إلا عينيك، أم على لحظة سعادة كانت عمري كله، واختصرت حياتي كلها، وصارت كل أيامي.
أما أنت فتستطيعين الندم ما تشائين، وسأكون في ذلك عوناً لك، سأساعدك على الخروج من الأزمة، لابقى وحدي، لأنك وحدك أصبحت كل المهم، أن تبقى عيناك مساحة عمري، وضحكتك صدى سمعي، وعلى شفتي ملامح قبلة من أطهر شفاه، تلك هي المسألة، وهذا هو المهم.
في النهاية، أنا أعرف أني ظلمتك كثيراً في قراراتي حتى ولو لم أعلنها، وأنا أعلم أني كنت أنانياً كبيراً في كثير من اللحظات، لكن عذري أني أحببتك بصدق، ولمرة أخيرة سامحيني حبيبتي فلن أعيدها ثانية.
* قاص لبناني