د. إبراهيم الهدبان / البرابرة الجدد

1 يناير 1970 06:25 ص
في السعي العربي الحثيث لإنهاء القضية الفلسطينية بطريقة سلمية يلجأ القادة العرب إلى الإدارة الأميركية لحثها على التوصل إلى حل «شامل وعادل» ينصف الشعب الفلسطيني، ويحفظ ماء الوجه العربي حتى لو كان الثمن التنازل عن جل الأراضي العربية المحتلة. لكن الذي لا يفهمه العرب أن النظرة الأميركية والإسرائيلية للعرب كشعب، وللمسلمين كأمة، هي نظرة واحدة تتلخص في كونهم أدنى من مستوى الحيوانات، وبالتالي لا توجد مشكلة في تصفيتهم كما تصفى الحشرات من البيوت، ولا مشكلة في تطهير الأرض منهم كما تطهر الحقول من الآفات. ما يفعله اليهود الإسرائيليون من قتل للمدنيين والأبرياء والأطفال في غزة والضفة الغربية يفعله الأميركيون في أفغانستان وباكستان والعراق. دخلت على موقع http://wikileaks.org/ وهو الموقع الذي يفضح التجاوزات للحكومات والمسؤولين، ويدعو من لديه وثائق لبثها عبر هذا الموقع، فوجدت مذبحة قام بها الجيش الأميركي ضد المدنيين في العراق في عام 2007، حيث قتلت طائرات الأباشي حوالي 12 مدنياً، منهم اثنان من المصورين يعملان لدى وكالة «رويتر» أحدهما في الأربعين من العمر والآخر في الـ 22 من عمره. المشكلة ليست في الحادثة نفسها فقد زعم الجيش الأميركي في حينها أن القتل نجم عن تلاحم بينه وبين مسلحين، والفيديو المعروض يبين أنهم أشخاص أبرياء ليسوا في حالة اشتباك يمشون في الشارع آمنين وأحدهم يحمل كاميرا. اللغة التي يستخدمها قائدا الطائرتين تبين ما نقصده بقولنا إنهم ينظرون إلينا وكأننا حشرات فهو يتكلم عن «أبناء الزانية» «Oh Yeah look at those dead Bastards» ثم يصر الطيار على تصفية الشخص الجريح المتبقي وهو صحافي يسمى سعيد، لذلك وعندما تقترب سيارة «فان» لنقل الجريح والجثث فإن الرصاص ينهمر عليها بمن فيها ويقتل الجميع، ويجرح طفلة وأخاها كانا في السيارة مع والدهما الذي قتل. فيما بعد وعندما تصل الدبابات الأميركية فإنها تدوس على إحدى الجثث وتسمع الضحك من قائدي الطائرتين الأباشي حيث ان الجثث لا حرمة لها. ما فعلته هذه الطائرات في العراق تقوم به بشكل مستمر في أفغانستان وباكستان حيث يسقط المدنيون، ثم يكذب الجيش الأميركي فيقول انهم مسلحون ليتضح أنهم أطفال ونساء ومدنيون كانوا يشهدون عرساً أو مناسبة اجتماعية. هذا السيناريو هو السيناريو نفسه الذي يستخدمه الجيش الإسرائيلي يومياً في فلسطين ضد المدنيين، لذلك كان من الغباء أن نسعى نحن العرب لتحكيم الأميركيين وطلب العدالة لديهم حيث ان «شهاب الدين أسوأ من أخيه». إن مشاكلنا ليست ضد الشعب الأميركي بأسره ففيه الحسن وفيه السيئ، وبيننا نحن العرب من هو أشد على أخيه من الأميركيين والصهاينة، إلا أن المشكلة في قيام جيش لا يحترم حياتنا، ولا مدنيينا، ولا جثثنا، بالسيطرة على عالمنا ثم نقوم نحن بالاطمئنان إليه وطلب النصرة منه. على الإدارة الأميركية والجيش الأميركي ألا يلوموا العرب والمسلمين على تزايد كراهيتهم نحو الولايات المتحدة فما يصرح به الساسة الأميركيون يكذبه الجيش الأميركي ببربريته وعنجهيته، وإن لم تحسن الولايات المتحدة من نظرتها لنا نحن العرب والمسلمين فلن يستقر لها قرار في عالمنا حتى لو طال الأمد. ويبقى اللوم على من يطلب من الإدارة الأميركية الإنصاف وهي والصهاينة في خندق واحد، أو أنها أعجز من أن تفرض شيئاً على الصهاينة مما يدفعها لدفعنا أكثر فأكثر إلى التنازل حتى لم يعد لدينا ما نتنازل عنه. يقول الشاعر أحمد مطر:

طبيعة صامتة

في مَقْلَبِ القِمَامَهْ

رأيتُ جثةً لها ملامحُ الأعرابْ

تَجَمَّعَتْ من حَوْلها «النسورُ» و«الدِبَابْ»

وفوقَها علامَةْ

تقولُ: هذي جيفةٌ

كانتْ تُسَمَّى سابقاً... كرامَهْ





د. إبراهيم الهدبان

أكاديمي كويتي

[email protected]