الرشد في اللغة هو الهداية والصواب وهو نقيض الغي، والغي هو الضلال والخيبة والظلم، وما أحوج ساحتنا السياسية اليوم إلى ترشيد الخطاب الشعبي وجعله خطاباً يستوعب المخالفين، ويقابل الحجة بالحجة، والدليل بالدليل بدلاً من سياسة الإقصاء وثقافة التخوين، وعلو الصوت بالسباب والشتائم.
أعجبني جداً خلاف «التكتل الشعبي» حول الخصخصة وهذا ليس من باب التشفي حاشا لله بل هو من باب التنوع في الأراء داخل التيار الواحد، وأعجبني أكثر رقي العبارات التي استخدمها محبو «التكتل» وكتابه حينما اختلفوا مع الرمز أحمد السعدون، فلقد تتبعت مقالاتهم جميعاً فوجدتها مقالات يعتصر أصحابها الألم جراء الخلاف الحاصل حول موضوع الخصخصة، وفي مقابل هذا الألم نجد عبارات الاحترام للمخالف وتقدير اجتهاده بهذا الشأن والنظر له بمنظار الحسنات والسيئات.
نعم هكذا هم أبناء «التكتل الشعبي» رائعون حتى في خلافهم، مستوعبون لبعضهم البعض، يقدر أحدهم أخاه وإن خالفه وسار بطريق غير طريقه، وكم تمنيت أن تكون هذه الروح التي نشأت اليوم بين كوادر «الشعبي»، نظراً إلى خلافهم مع الرمز أحمد السعدون، أقول كم تمنيت لو أنها وجدت في أحداث التأبين وغيرها وأن يعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه.
لقد بات ترشيد الخطاب الشعبي اليوم ضرورة ملحة فليس صحيحاً أن كل من خالفنا خائنٌ، سارقٌ ، بائع للبلد ومن أصحاب الكروش المنتفخة، وليس صحيحاً أن كل من وافقنا شجاعٌ منتصرٌ للشعب ولا يقبل الذل أو هو ليس أداة بيد غيره، وما عليكم أيها الفضلاء إلا التأمل في وجوه وأسماء بعض المنسحبين من جلسة الخصخصة لتعلموا عظم المصيبة فيمن وافقنا برفض القانون ويمموا وجوهكم شطر الموافقين على الخصخصة لتعرفوا أي قامة عالية سامقة بقيت هناك لتوافق على القانون.
نعم «التكتل الشعبي» من أفضل الكتل البرلمانية منذ إنشائه وحتى لحظة كتابة هذه السطور، ولخطابه أثر بالغ في المتلقي وفي الساحة السياسية، وما ذاك إلا لأن الأعضاء المنتمين إليه لديهم كاريزما منبرية وقدرة عالية على تحريك الجماهير، الأمر الذي يجعل مهمة هؤلاء الأعضاء أكبر في تثقيف الجماهير وتغيير مجرى الخطاب الشعبي وترشيده، ويا ليت أعضاء «التكتل الشعبي» ومحبيه استبدلوا عبارات سراق المال وبيع البلد والعبث التشريعي، بعبارات لنا اجتهادنا ولهم اجتهاداهم، ولنا منطلقاتنا ولهم قضاياهم، ولنا رؤيتنا وحرصنا وللمخالفين رؤيتهم الخاصة، لو رشد الخطاب بهذا الشكل للتقم كل شامت لسانه، ولبقي كل فرد يثني على هذا التنوع والقدرة على استيعاب الرأي الآخر داخل التكتل الواحد، بل لنال «الشعبي» ثناء الخصوم قبل المؤيدين لمساحة الحرية التي يمنحها لأعضائه في مسائل الاجتهاد والاختلاف وحتى لا يقعوا بمثل ما وقعوا به اليوم، فلا يمكن أن يقول نواب «الشعبي» عن الموافقين على الخصخصة إنهم بلا ضمير وإنهم باعوا البلد وثرواتها لأن هذا الاتهام ينساق على الرمز أحمد السعدون قطعاً، وإلى أن يرشد الخطاب «الشعبي» سيكون لنا وقفة سياسية أخرى في موضوع آخر عن «الشعبي»، و«كتلة التنمية والإصلاح».
فهيد الهيلم
كاتب كويتي
[email protected]< p>