في ندوة لمناقشة روايته التي صدرت بعد رحيله
نقاد مصريون: أبو رية رصد في «ليالي البانجو» تحولات المجتمع المصري
1 يناير 1970
05:36 م
|القاهرة- من ميّ أبوزيد|
قال الروائي خيري شلبي: «كان يوسف أبو رية من دراويش الفن بمعنى الكلمة، فمعظم عمره عاشه متحدثا في الفن، وكان في داخله فنان كبير، وكنا ننتظر منه انفجارا أدبيا كبيرا، لكن الله قدر له أن يغادرنا باكرا»، كلمات شلبي قالها في الندوة التي نظمتها لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة في مصر لمناقشة رواية يوسف أبو رية التي صدرت بعد رحيله بعنوان «ليالي البانجو»، وتحدث فيها الناقد عبدالمنعم تليمة، والروائية هالة البدري، الى جانب ثلاث شهادات للروائي يوسف القعيد، والقاص سعيد الكفراوي، والناقد محمد بدوي. وأضاف شلبي: «كان مقدرا له أن ينشأ وسط مجموعة من الكتاب «الفلاحين» الذين اقتدوا في كتاباتهم بعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف ادريس في تقديم القرية الحقيقية وشخصية الفلاح الحقيقي، مثل عبد الحكيم قاسم ومحمد روميش ويوسف القعيد وسعيد الكفراوي، فكان عليه أن يمهد طريقه وسط هؤلاء، لذلك تناول ريف الحضر، أي العواصم الاقليمية الصغيرة».
وعن الرواية تحدث شلبي قائلا: «استوقفتني قصته الأخيرة، أسميها قصة لأنها قصة طويلة وليست رواية، ففيها يسترجع عالم الريف الذي يتناوله، وأسلوبه فيها يختلف عن أسلوبه في رواياته الست السابقة فلغتها بسيطة، وكأنه يخاطب طبقة أعلى قليلا من الأطفال، أما بطلتها فتذكرنا ببطلة رواية «حادثة شرف» ليوسف ادريس، حينما تفقد البنت عذريتها فتتصرف كالريح بقوة وثقة، وتفقد برقع الحياء، كما أنها تذكرنا ببطلة رواية «دعاء الكروان» لطه حسين، حينما قررت هنادي أن تمارس حريتها ثم تدفع الثمن وهي تعرف أنها ستدفعه، ولهذا تموت مها بطلة رواية ليالي البانجو بيد غادرة ولا نعرف هل بيد زوجها الذي أسقطت جنينه أو بيد عمها وأبيها اللذين رغبا فيها جنسيا أو بيد الولد الذي تخلى عنها. الدكتور عبدالمنعم تليمة أشار الى أن ما تركه يوسف أبورية من أعمال سيبقى، وقال: حينما كنا نعد لجائزة نجيب محفوظ التي تقدمها الجامعة الأميركية، كانت تواجهنا تلك الصحوة الأدبية المشهودة والمرئية في مصر والعالم العربي، ووجدنا أمامنا فجأة يوسف أبو رية الذي وقفنا بالاجماع أمام روايته «ليلة عرس» ومنحناها الجائزة.
وتحدثت الناقدة الدكتورة أماني فؤاد عن آليات بناء المشهد في «ليالي البانجو»، قائلة: «أبو رية يضع في الرواية المرأة في مقابل المجتمع الذي لجأ للتدين المظهري الزائف أو للعلاقات الشاذة غير الشرعية، وموت بطلة الرواية «مها» يطرح عددا من الأسئلة أمام أفراد المجتمع الذي لا يراجع قيم حقوق الانسان وحقوق المرأة، ولهذا تبدو المرأة في الرواية كائنا جميلا لكنه هش وضعيف، وملابسها دائما سوداء ما يشير لعادات وتقاليد المجتمع التي تكرس للظلام وللثقافة الذكورية الخانقة التي تدفع إما للخطيئة وإما للموت».
وشبهت الروائية هالة البدري يوسف أبو رية بسعد الله ونوس، قائلة: «عرف «ونوس» بقرب رحيله فكتب مسرحيات وسيرة ذاتية تميزت بالتكثيف الشديد، وكذلك فعل يوسف، فـ «ليالي البانجو» تتميز بالجملة السريعة والقصيرة والمختلفة عن اللغة التي كتب بها بقية أعماله، بل وطرح العديد من الأسئلة، كما اختار شخصيات ليقول من خلالها الكثير من الأشياء، لكنه عندما أراد أن يعلن موقفه من المرأة وانحيازه لها، جاء ذلك بشكل ضعيف، لأن قتل «مها» التي حاول الجميع اغتصابها والتعدي عليها جاء ليتناص مع المذنبين، ما يدفعنا للتساؤل: هل كانت تستحق القتل بعدما قتلت بالأساس من المجتمع؟!». وقال الناقد يسري عبدالله: «البلدات المهمشة هي نقطة الانطلاق داخل نص أبو رية السردي المعتمد على توظيف لغات متعددة بداخله تختلف باختلاف الشخوص وموقعهم الاجتماعي والفكري والجغرافي، فهو يرصد في الرواية تحولات المجتمع المصري متناولا طبقة الاقطاع التي سلبت منها ثورة يوليو أملاكها، ثم سياسة الانفتاح الاقتصادي ومن بعدها سياسة الخصخصة».
واتخذ عبد الله من شخصية العم نموذجا للمعلم والمربي الفاضل والمتهتك في الوقت نفسه، وقال: «نحن أمام كتابة تعيد الاعتبار للمقولات الكبرى متكئة على حادثة واقعية تتجاوز فكرة اغتيال الشخصيات الى اغتيال الوطن بكامله».
وفي شهادته عن يوسف أبورية قال الروائي يوسف القعيد: «كان يوسف يقاوم الموت بالكتابة، تماما مثل «الفلاح»، ومثل «كافكا» الذي كان يقول ان الكتابة هي محاولة كفاح ضد الفناء، وهذه شجاعة حقيقية تذكر ليوسف لأن الانسان الذي يجيئه يقين الموت ينسحب ويستعد للرحيل، كما أحيّي زوجته الدكتورة فريدة التي جمعت أوراقه ونشرتها».
أما الناقد الدكتور محمد بدوي فقال: «يوسف وكثيرون من جيل السبعينات كان درويشا لطرفي تناقض صعب وهما الكتابة والسياسة، أي الوقوع في اشكالية الكاتب الذي تشده نظريات السياسة... والمواطن الذي يشده الآني والواقع والمتغير، كما كان يوسف ممزقا بين الصحة اللغوية والصحة الفنية، وقد واجه اشكالية بالغة الصعوبة وهي الكتابة عن الريف، فكان عليه أن يجد طريقا ووسيلة للتأثير وسط التقاليد الجديدة للكتابة عن الريف المصري التي وضعها يوسف ادريس وعبد الحكيم قاسم ويحيى الطاهر عبدالله».