ممدوح إسماعيل / وزير التعليم لا يمكن أن يكون وزيراً للداخلية

1 يناير 1970 06:04 ص
قديماً كان المدرسون يكررون على آذاننا في المدارس المصرية ونحن طلاب صغار أن «التربية قبل التعليم» ولذلك جاءت التربية في اسم الوزارة سابقة على التعليم.

وكان المدرسون في المحروسة يشددون على أنفسهم أن يكونوا قدوة أمام الطلبة مهما كانت شخصياتهم، وكانوا يهتمون بالمسائل التربوية جيداً، وكذلك كان رؤساؤهم.

ومرت أعوام عديدة تغيرت فيها مصر تغيرات انقلابية في شتى مناحي الحياة، وبعد أن كانت مصر على الجبهة... أصحاب النضال والجهاد ومقاومة العدو الصهيوني ودعم كل حركات التحرر في العالم، أصبحنا دعاة السلام للخيار الاستراتيجي، وقالوا إن ذلك سيجلب لنا أعوام الرخاء فارتفعت أسعار كل شيء ارتفاعاً جنونياً إلا الإنسان، المواطن المصري، فقد انخفض سعره، وضيعت كرامته، وزادت عليه القيود والإجراءات الاستثنائية.

ومع زيادة السكان من 35 مليوناً إلى 80 مليوناً، والتغير الرأسمالي، ظهرت طبقات من النفعيين والوصوليين تصارعوا على هضم حق المواطن في الحياة الكريمة، وأصبحوا كالذئاب يتصارعون على امتصاص بقايا دماء الكرامة فيه، ويكسرون عظام الأخلاق والقيم التي عليها تقوم الأمم وتنهار. بلا شك المجتمع المصري تغير، والأجيال تغير نمطها السلوكي بسبب تغيرات الاتصالات والإعلام.

ومصر منذ الأسبوع الأخير في شهر مارس حتى الآن تتحدث من شمالها إلى جنوبها عن الزيارة الفضائية الشهيرة لوزير التعليم لإحدى المدارس الإعدادية بحلوان. فقد شعرت وشعر كل من رأى زيارته التلفزيونية التي بثتها قنوات فضائية عدة، أن وزير التعليم تقمص شخصية وزير الداخلية فقام بزيارة سرية لمدرسة كأنها أحد مراكز الأمن المركزي، حاملاً عصا القمع ضد كل ما يراه خطأ، أمام طلاب في مرحلة التكوين النفسي والعقلي والبدني ليحفر في ذاكرتهم صورة مشوهة عن السياسة التعليمية.

فقد تحول وزير من المفترض أن يكون قائداً وقدوة في الذكاء التربوي والقدرة على اتخاذ القرارات التربوية الإصلاحية، إلى شخصية أخرى مستبدة تصدر قرارات سريعة بلغة أمنية ركيكة، ومن دون تحقيق، ومن دون رؤية إصلاحية، ومن دون معرفة الأسباب التي أدت لتلك الأخطاء، فالوزير الناجح لا يرتدي سيف القمع زوراً ويشبّهه بثوب الإصلاح.

الحقيقة أن ما فعله وزير التربية والتعليم في مصر الدكتور أحمد زكي بدر هو عنوان سيئ لسياسة إدارية سيئة، والخطورة أن يكون ذلك في التعليم فما حدث هو حصة عملية في القمع، وليس معنى ذلك أنني مع الأخطاء والتسيب... لا ومليار لا فالمخطئ لابد أن يحاسب، ولكن مع خطئه لابد من مراعاة أنه إنسان ومواطن له حقوق منها حق الدفاع عن نفسه أمام الجهة المختصة حتى لو ثبت خطأه بعد ذلك، وتلك الإجراءات ترسخ أمام الطلبة الصغار أن لهم حقوقاً، لكن ما حدث من الوزير أثبت لهم في بداية حياتهم أنه ليس لهم أدنى حق مطلقاً، وهذا غير حقيقي وظلم لهم.

ويبقى أنه بلاشك أن بعض النواحي في العملية التعليمية منهارة ولكن علاجها لا يتم بالقمع الشكلي السطحي لخطأ ما بل لابد من خطة ورؤية إصلاحية.

حضور الوزير بمصاحبة الكاميرات متعمد لعمل مشهد للشهرة ولإرسال رسالة لجميع العاملين في الوزارة أن الإهانة والفضيحة هي الأسلوب قبل النقل.

وهنا تحضرني نقطتان:

ان هؤلاء المدرسين لهم أهل ومعارف وأولاد، وما حدث يحط من شأنهم أمامهم ويعتبر عقوبة، إن كانوا مخطئين، زائدة عن العقوبات المقررة قانوناً.

يبدو أن بعض القيادات في الدولة تداركت خطأ الوزير وقررت أن يكون قرار النقل مرحلياً، وربما ستعيد النظر فيه، وحتى ولو لم يحدث فالحمد لله أنه لايزال في مصر قضاء عادل، لذلك نصيحتي للمنكوبين القيام بزيارة الوزير، أو اللجوء إلى مجلس الدولة فهو الحصن الذي سينصفهم إن شاء الله.

وأخيراً ماحدث يعد إنذاراً خطيراً لمستقبل أسود للعملية التعليمية في مصر وللأجيال القادمة لو استمر وزير التعليم في إدارة وزارته بمنهج الداخلية في القبض والتفتيش والحكم والقضاء طبقا لقانون الطوارئ.



ممدوح إسماعيل

محامٍ وكاتب

[email protected]