د. يعقوب أحمد الشراح / صدى الكلمة / الجنسية والمواطنة

1 يناير 1970 08:07 ص

زوبعة التجنيس انتهت بخلافات فكرية وجدال لا أظن انها ستصبح في طي النسيان ما دامت قوائم التجنيس ستتوالى، ودفعات منها ستعرضها وزارة الداخلية على الحكومة بين حين وآخر لأخذ الموافقة على اعتمادها. ورغم ان التجنيس قضية معقدة لأسباب عدة، ليس هنا المجال للبحث فيها إلا اني لست ضد التجنيس لمن يستحقه، وخصوصا لأولئك الذين وقع عليهم الظلم ولأعوام طوال عانوا مع أسرهم من زوجات وأولاد متاعب الحياة، ونظرة الناس المتدنية، والاساءة البالغة للكرامة الانسانية وحقها في العدالة والمساواة. لكنني ضد العشوائية والعاطفية وغياب المعايير التي ينبغي ان تكون أساسا للتجنيس، وكذلك ضد التدخلات والواسطات التي تعكس كم هي الدولة رخيصة عند البعض، وان المصالح المذهبية والقبلية والطائفية وولاءات الناس لقبائلهم ومذاهبهم تتصدر ولاءاتهم للوطن.

الدولة ليست بحاجة إلى تكاثر في سكانها، في وقت تعاني من قلة أراضيها للسكن، ومحدودية جغرافيتها ومواردها، واختلالات أمنية من السهل ان تطفو تقودها نار الفتنة والانقسامات الداخلية. لذلك فلا غرابة ان يرتبط التجنيس بالأمن الوطني في كثير من المجتمعات المتقدمة، وان تفرق هذه المجتمعات بين الخدمات والولاءات وحماية الوطن والانتفاع من مزايا التجنيس. فليس هناك عند هذه الدول مفاهيم تسمح بالتجنيس مثل القول بالأعمال الجليلة. رغم ان هذه العبارة مطاطة وغير محددة، ويمكن ان تفسر بمختلف التفاسير.

ان الخدمات الجليلة التي ابتكرتها الحكومة كمعيار في التجنيس ينقصها الوضوح والتحديد، ومن السهل ان تستغل فتعطي الجنسية لمن هب ودب تحت بند الاعمال الجليلة التي رأينا في بعض حالاتها لا تعني اطلاقا انها اعمال جليلة.

ثم ان الاعمال الجليلة بحد ذاتها لا يمكن ان تكون مقياسا للحصول على المواطنة، فكيف يكون مواطن دولة أخرى هو مواطن عندنا؟ الدول الناهضة والمتقدمة لا تقدم الجنسية كمكافأة لمن قاموا بأعمال جليلة حتى لو كانوا من العلماء والعباقرة، وانما هناك حوافز اخرى وبدائل مختلفة كاقامة دائمة، ومزايا مادية ومهنية تقدم لهؤلاء ما دامت هذه الدول تنظر الى الجنسية في دساتيرها على انها قضية سيادية، لانها تعبر عن الولاء والانتماء للارض، ولا صلة لها بالانجازات والبطولات والتميز، بل صلتها بالارض والتاريخ والتراث وتعاقب الاجيال وغيرها...

لقد آن الأوان ان نعيد النظر في اجراءاتنا كلها تجاه منح الجنسية انطلاقا من اسس جديدة ينص عليها الدستور، وقواعد بدهية يعمل بها العالم المتقدم خصوصا وان المواطنة تتجاوز الشكليات والمظهرية الى احاسيس ومدركات متجذرة في النفس من ان الوطن فوق كل شيء ينبغي الحرص على وجوده، والاندفاع نحو حمايته عندما تشتد الازمات وتصيبه الكوارث. المواطنة لا تعني فقط الأخذ والاستحواذ بالطرق المشروعة، وانما المواطنة هي الاندفاع الذاتي لدى الفرد في أن يضحي بكل شيء من أجل الوطن. الأمل في ألا تصبح الجنسية ستارا عند البعض يجعله أكثر انفلاتا في السلوك، وخطورة على الأمن، وهروبا من المسؤوليات الوطنية، وتكاسلا في القيام بما يتطلب منه تحقيقا للتنمية العامة.


د. يعقوب أحمد الشراح


كاتب كويتي

[email protected]