تحقيق / مديرو الاستثمار أمام تحدي استعادة الثقة لاستقطاب الأموال مجدداً

عام «الصندوق»... الأسود

1 يناير 1970 06:40 م
|كتب رضا السناري|

ينفض مديرو الصناديق الاستثمارية في الشركات عنهم دخان العام الأسود، الذي لم تشهد الكويت له مثيلاً منذ أزمة المناخ، ليفكروا الآن بما أبقت الأزمة من قطاعهم، ولعل السؤال الأكثر تردداً بينهم في الوقت الراهن ما نموذج العمل الذي يمكن من خلاله ان يعودوا به الى سابق نشاطهم في جذب المستثمرين؟

فقد كان دارجاً في الكويت قبل الأزمة ان القطاعات الاستثمارية الأكثر شهرة لعمل الصناديق لا تخرج في الغالب عن أسواق الأسهم والعقار والسوق النقدي. وكان من بين الانتقادات التي توجه لنموذج العمل السائد ان مديري الصناديق لم يسبحوا عكس التيار خلال فترة طفرة الأسواق، فانشغلوا مثل الآخرين بتحقيق الربح السريع وركزوا نشاطهم على قطاع الاسهم كخيار رئيسي ثم العقار وبعدهما السوق النقدي.

الا ان قطاع الصناديق مر بمرحلة صعبة منذ بداية الأزمة، مردّها ان نموذج عمله لم يعد مغريا للمستثمرين كما في السابق، فلم يعد يكفي للاقناع ان يخرج مدير الصندوق في مؤتمر صحافي يعرض خلاله نموذج عمل يلفه الغموض اكثر مما تدعمه البيانات.

فسوق الأسهم تلقت الضربة الأكثر وضوحاً، ولم يسلم القطاع العقاري من التداعيات، وان بدرجات متفاوتة بين الأسواق الخليجية، وكذلك بين المناطق القطاعات العقارية المختلفة داخل البلد الواحد.

أما في سوق النقد، فبرزت مشكلات كبرى نجم بعضها عن ظروف السوق الطبيعية، فيما نجم بعضها الآخر عن مخالفات صريحة وضمنية لقواعد عملها، من خلال الاستثمار في أدوات أكثر خطورة من أدوات السوق النقدي، وتسرب بعض الأموال الى أسواق الأسهم.

ومع تغير ثقافة الاسواق والمستثمرين، يجد مديرو الصناديق ان عليهم تغيير أولوياتهم تماشيا مع التطورات الأخيرة ليتمكنوا من نيل ثقة اصحاب الأموال التي تتحضر للخروج انتظارا للفرصة، خصوصا ان الحديث عن المخاطر بدأ منذ فترة يأخذ منعطفا اكثر جدية من قبل بالنسبة لأصحاب الأموال.

وهنا يكون السؤال عن طبيعة نموذج العمل الذي سيكون الاكثر ترحيبا في الفترة المقبلة بين مديري الصناديق وجمهور المستثمرين؟

فمن المنطقي حين «تذهب الطفرة وتأتي الفكرة»، ألا تخلو معادلة طرح أي منتج استثماري في الفترة المقبلة من ثلاثة عناصر رئيسية تتكون من منتج استثماري مغر وعائد مرتفع ومستويات مخاطر أقل. وأمام هذه المعطيات لن يكون مستغربا ان يكون هناك انحسار في منتجات كانت تلقى رواجا في السابق مقابل سباق على منتجات مالية جديدة لم تكن في الحسبان سابقا.

سوق الأسهم

وهناك أكثر من وجهة نظر في هذا السياق، فهناك آراء تدفع بان التركيز سيستمر في الفترة المقبلة على سوق الأسهم ولو لفترة مرحلية، لكن هذه المرة سيكون على الأسهم الرخيصة (بمعنى المضاربة والاستفادة من تداعيات الأزمة المالية على القيمة السوقية لبعض الشركات)، ويؤمن أصحاب هذا الرأي ان موضة الصناديق في الفترة المقبلة اعطاء الاسهم الرخيصة اهتماما أكبر.

واذا كان معظم مديري الصناديق يتفقون على ان وهج سوق الأسهم لن يخفت تماماً خصوصاً اذا تأكد الاتجاه الصعودي للسوق في الفترة المقبلة، الا ان أحداً لا ينكر في المقابل ان لعبة الاستثمار في الأسهم تغيرت ولم يعد المستثمرون ينظرون اليها بعين مغمضة عن المخاطر كما كانت الحال في السنوات الأولى للطفرة، بل باتت تحددها معايير جديدة حسب قواعد كل سوق.

وفي الحد الأدنى، بات المستثمرون ينظرون الى سوق الأسهم كجزء من صورة كلية لفرص الاستثمار المتاحة، ولا بد لمديري الصناديق ان يراعوا ذلك في اتجاهات المستثمرين الذين يشتركون في وحدات صناديقهم.

لكن التحدي الأصعب هنا، يتمثل في استعادة شركات ادارة الأصول ما فقدته من ثقة العملاء الذين وجدوا أموالهم تذوب كالملح خلال الأزمة الأخيرة.

أداة تمويل رديفة؟

فماذا في الصورة الكلية في الكويت؟

هناك متغير مهم على صعيد فرص الاستثمار، يتمثل في اقرار خطة التنمية ذات الـ30 مليار دينار، وكما غيرهم، يترقب مديرو الصناديق فرصتهم.

واذا كانت الاشكالية المطروحة على مستوى القطاع الخاص تتمثل في مدى توافر موارد التمويل، فان بعض مديري الاستثمار يرون ان قطاع الصناديق يمكن ان يوفر مصدر تمويل رديف للاقراض المصرفي، يساعد على تلبية حاجات تمويلية قصيرة الأجل تتناسب مع حاجات الشركات في ظروف معينة.

وفي هذا الخصوص يرى احد مديري الصناديق الذي لم يشأ ذكر اسمه ان «مستقبل صناديق الاستثمار المحلية في اسواق النقد، فخطة التنمية تحتاج الى موارد تمويلية مساندة من خارج القطاع المصرفي، الذي تسيطر على علاقته بشركات الاستثمار والمقاولات بعض الخلافات ما ينمي من فرص الاستثمار في هذا القطاع، بعائد على الارجح ان يكون مرضيا».

ويشير المدير الى ان «هناك قاعدة مشهورة مفادها ان السوق هو الاذكى دائما في الاستفادة من الفرص واستباق الحدث، وباعتبار ان هناك اجماعا على جدوى المساهمة في خطة التنمية، من المرتقب ان يكون هناك توجه من مديري الصناديق لطرح منتجات استثمارية تستفيد من الخطة، وليكن على سبيل المثال صناديق نقدية تساهم من بواية التمويل المساند».

لكن بما ان نشاط الاستثمار الرئيسي قائم على ادارة اصول الغير، فان استقطاب هذه الأموال سيكون مبنياً على كيفية اقناع المستثمر بالجدوى من وضع امواله في يد مدير الصندوق، وهذا تحد كبير. ولعل جدية الحكومة في تنفيذ خطة التنمية تساهم من ناحيتها في تعزيز الثقة لدى المستثمرين في قطاع الصناديق النقدية.

وهناك من يقف متفائلا ويبرر ذلك بما يلي:

اولا: يساعد التشدد الذي تنتهجه البنوك مع العملاء وفي مقدمتهم شركات الاستثمار والمقاولات حول نوعية الضمان الذي يتعين وضعه امام التمويل من قبل المستثمرين في ايجاد الفرصة أمام صناديق النقد لتستفيد اكثر من هذا التباعد، ومع «دلال» المصارف على المستثمرين يمكن للعملاء ان يدفعوا اسعار خصم اعلى ولا الحاجة الى الصبر على «ثقل البنوك».

ثانيا: ان اقرار هيئة سوق المال يفتح كوة جديدة امام احتمال طرح سوق ثانوي للسندات والصكوك لتكون من الاستثمارات القابلة للتداول. وباعتبار ان خطة التنمية مدعومة حكوميا من غير المستبعد ان تجد مستثمرين اجانب يقبلون على الاستثمار في أدوات الدين التي تتعلق بالخطة.

ثالثا: الاعتبار الرئيسي بالنسبة للاستثمار في الخطة نوعية المشاريع في المقام الأول فاذا حصلت الشركات الرئيسية على نصيب الأسد في المناقصات المطروحة لا يمثل التعامل تركزاً يلقى بمخاوف معينة فالمهم في هذا الخصوص هو جودة الاستثمار محل التمويل.

لكن هناك من بين المحللين من يستبعد تماماً امكانية ان تكون الصناديق النقدية أداة تمويل رديفة للتمويل البنكي، نظراً لطبيعة عملها، وطبيعة الأدوات التي تستثمر فيها، بغض النظر عما يجري «تحت الطاولة». ويضيف الى أسباب تشاؤمه ازاء مستقبل الصناديق النقدية عاملاً آخر، يتمثل بالتجربة السيئة للكويت مع تلك الصناديق التي تراجعت أصولها المدارة من مليار دينار قبل الأزمة الى نحو 650 مليون دينار حالياً، وهذا التراجع يعد فشلاً كبيراً عند الأخذ في الاعتبار ان الصناديق المماثلة تعد أدوات استثمار آمنة الى حد كبير عالمياً.

العقار

وغير بعيد من خطة التنمية، ثمة من يعتقد ان الاستثمار العقاري يستعيد جاذبيته، لاسيما في القطاعين السكني والاستثماري، خصوصاً ان الأزمة العاصفة مرت بأقل قدر من الأضرار على العقار مقارنة بالأسهم والأدوات الاستثمارية الأخرى، على الرغم من الصعوبة التي وجدها المستثمرون في القطاع في تسييل ما لديهم خلال فترات الضغط. واذا ما تحقق النمو المنشود بسبب الخطة الحكومية والأسباب أخرى، فان مزيداً من السيولة ستتوافر لتغذي الطلب على العقار، وستتوافر ظروف ملائمة لامتصاص فائض المعروض في العقار التجاري والمساحات المكتبية.

لكن من نافل القول ان الاستثمار العقاري في الكويت له مشكلاته، في غياب الشفافية في السوق، والاحتكار الحكومي (وأحياناً الخاص) للأراضي والعقارات.

نموذج مختلط

يبقى ان مسؤولاً رفيعاً في احدى شركات الاستثمار يرى ان الفرصة في الظروف الحالية لا تتوافر في قطاع واحد دون غيره، «فكل مجال يحوي من الفرص بقدر ما يحوي من المخاطر». وعليه، يتوقع المدير ان يكون الاتجاه أكثر نحو «الصناديق المتنوعة»، التي تمزج في نموذج عملها بين أكثر من قطاع.

وميزة تلك الصناديق، برأي المدير، انها تتيح لمديرها هامش حركة أوسع في الفترات التي يكون فيها التذبذب عالياً.

لكن هل ستكون الصناديق قادرة على استعادة ما خسرته من ثقة العملاء؟



هل تصلح الصناديق النقدية

أداة تمويل رديفة؟




رغم الأمل المعقود على قطاع الصناديق النقدية في ان تكون وجهة رئيسية لمستثمري القطاع الا ان البعض يرى ان هناك بعض التحديات في الاسواق النقدية تقلل من فرص الاستفادة من الظروف التي يمكن ان تهيئها خطة التنمية، ويأتي في مقدمتها:

1 - ان الصناديق النقدية لا تستطيع مهما حاولت منافسة البنوك في عقر دارها، والاستثمار بادوات تمويلية، اذ ان كلفة الأموال في الصناديق النقدية اعلى من ودائع البنوك، ولذلك يمكن للمصارف ان تطرح تمويلاتها على المستثمرين باسعار اقل من مديري الصناديق الذين سيضطرون للحفاظ على هامش ربحية معين.

2 - لكي يقتنع المستثمر بجدوى استثماره التمويلي في الخطة عليه ان يضمن انه يستطيع التخارج بسهولة عندما يجد الفرصة مناسبة او يكون في حاجة الى سيولة، ومن اجل تحقيق ذلك يحتاج مدير الصندوق النقدي الى ان يكون لادواته التمويلية المسموح لها باستغلالها من سندات وصكوك سوق ثانوي يتداول فيها، بحيث يستطيع ان يبيعه في اي وقت. ويعتبر وجود السوق الثانوي مهماً لاعتبارات أخرى، منها ان من مبادئ عمل الصناديق النقدية الحفاظ على مستويات سيولة عالية يمكن تحريكها بسهولة، وهذا من ناحيته يحتاج الى ان يكون مكون الصندوق قابلا للتداول أو التسييل. فلا يمكن لنشاط صناديق النقدية في الخطة ان يلقى اقبالا من المستثمرين من دون ان يرافقه سوق ثانوي.

3 - يعد التركز الاستثماري من التحديات التي تشغل بال المستثمرين ومن خلفهم مديرو الصناديق، فاذا انحصر عدد المستثمرين الرئيسين في جهات معينة سيخلق التعامل في هذه الحالة تركزا معينا في حين ان من اهم المتغيرات التي فرضتها تداعيات الأزمة على المستثمرين التنوع وعدم التركيز على منتج واحد او عميل محدد.



39 في المئة تراجع محفظة شركات

الاستثمار في الأسهم خلال عامين




بين يناير 2008 ويناير 2009، تراجع رصيد محفظة شركات الاستثمار في الأسهم المحلية من 14.48 مليار دينار الى 8.99 مليار دينار، أي بانخفاض نسبته 37.89 في المئة. وكان هذا الرصيد قد انخفض الى قاعه في فبراير من العام الماضي، حين بلغ 7.89 مليار دينار. وليس هذا التراجع الا وجهاً من أوجه الضربة التي تلقاها الاستثمار في الأسهم جراء الأزمة. أما رصيد محفظة الشركات في وحدات الصناديق المحلية فجاء انخفاضه أكبر، اذ تراجع من 1.28 مليار دينار، الى 312 مليون دينار في يناير الماضي، أي بنسبة تراجع 75.6 في المئة. وفي المحصلة تراجع رصيد محفظة الشركات الاستثمارية خلال الفترة نفسها من 20.4 مليار دينار الى 14.8 مليار دينار، أي انها خسرت نحو 5.6 مليار دينار.