أوراق ملونة / يوسف الجميل... يقود نصرا

1 يناير 1970 12:00 ص
| بقلم وريشة علي حسين |

... تعاظم أمر الحرور المقبل ووقفت المنظمات البيئية العالمية عاجزة أمام التقارير المتلاحقة، لمخاطر الاحتباس الحراري الذي بات أمرها واقعا مزعجا لا تخمينا مفرطا، وان الوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم، وان هناك من يتحدث بصمت على انه لا فرصة لعلاج الأمر؟، وان النجاة من الأخطار المقبلة بات صعبا!

لكن أهل الإيمان أدركوا بوعي... أن مسؤوليتهم باتت كبيرة، وان الله مدبر الكون وحده سيتولى أمرهم ونصرهم من بشارات خروج أوليائه ونزول أنبيائه *الذي سيبعثهم نورا يهدي به الناس جميعا إلى ملة الإيمان من جديد ، لان أهل الإيمان يملكوا من مفاتيح الغيب ما يقود البشرية إلى النجاة.

فعندما يئس نوح عليه السلام من دعوة قومه شرع بأمر الله في بناء السفينة { وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ }(هود:37)، ركب أهل الإيمان سفينة النجاة إلا الملأ المكابر وابنه الضال { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يابُنَيَّ ارْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ* وَقِيلَ يأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَياسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } (هود:42-44).

نجا نوح بأمر الله وفضله وهلك الملأ المكابر الذي تجاهل بغرور دعوة نوح إلى عبادة الله وتقواه، إلا ان الحق تبارك وتعالى يحذر في سياق آياته من جهل الإنسان وظلمه، فمتاع الحياة الدنيا منهج غواية لمن كفر بالله واتخذها من زخرفها سبيلا: «قِيلَ يانُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (هود:48)

فالملأ الذي واجهه نوح عليه السلام هو نفس الملأ الذي واجهه يوسف النبي لم تتغير جاهليته فمازال منطق الكفر سائدا لحضارة قسمت الناس إلى سادة وعبيد, تشبع رغباتها بشغف وجنون ومكابرة: { وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَا مِنَ الصَّاغِرِينَ } (يوسف :32) حضارة ينعاها ابن خلدون في مقدمته «لأنها استحكمت عوائد الترف فيها... طفيلية طافية على سطح المجتمع تعيش وتستهلك وتبذر على حساب الرعية كلها تستولي على أموالها وعلى قيم أعمالها وتسخرها تسخيرا كل ذلك بفضل الجاه الذي تتمتع به والسلطة التي بيدها» (1)، حضارة بلغت في سلم انحدارها حين تآكل الأرباب المتفرقة في صراع قضى على كل خير فيها، يتنازعون فيما بينهم... إلا أن الجميل يوسف ينتفض متبرئا من حضارة المتكأ وقوى الظلام التي أحاطته كيدا: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} (يوسف:37)، لأنه أدرك منذ حين غلقت عليه الأبواب ان مسارها إلى الفناء والتهلكة «ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون» (الشعراء 150-152)، فكان جزاؤه استعصامه وتطهره أن يتورط كيدا وبأمر من شغفها حبا بآيات كاذبات أرادت والملأ المتآمر أن يقطعوا دابر نجاته على يد الملك الذي سخره الله الرحيم ليوسف في مهمة إنسانية كبيرة تنقذ البشرية من خطر السنوات العجاف، حين استبصر الملك أمرها بحلم:{ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ياأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رءيي إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ} (يوسف:43)، لم تستطع حضارة المتكأ بالرغم من تقدمها العلمي أن تفسره «قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ } (يوسف :44)، لكنه وحده الصديق يوسف يفسر الأحلام وتأويلها هكذا اخبر ساقي الملك عن أمره:{ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ* يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ* قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذالِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذالِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } (يوسف : 46_49)

يوسف يفسر حلما ويملك علم السنة الخامسة عشرة، لييقن الملك الصالح صدق النبي المظلوم، فيستخلصه من ظلمة السجن إلى قصره وزيرا:{ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ* قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ* وَكَذالِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} (يوسف :54-57)، لقد أدرك يوسف عليه السلام بعد سنوات ظلمه قيمة الرحمة والإحسان في قوله وعمله، فنهج بالعلم النافع استراتيجية النجاة من الحرور المقبل التي لم يناسب يوما أسلوب حضارة المتكأ، التي كانت زليخة وقطفار عنوان سقوطها الأخلاقي.

يوسف يقود نصرا ويحطم أوثان الكفر في معاقلها، يدعوا بدعوة آبائه إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ: {ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ})يوسف39:)، ليسأل الحق جل وعلا بعد أن أدى مهمته وزاد كيله لمن باعوه يوما بثمن بخس: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّ فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}) يوسف:101). قصة من أحسن القصص نزلت بعام حزن الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم لتواسيه بعدما لحق به من أذى ومحن وبالأخص بعد فقد نصيريه زوجته الطاهرة الحنون «خديجة» وعمَّه «أبو طالب»، { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ .إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ) يوسف:1-2).

* * *

المراجع والمصادر

*هامش: تورد كتب السنة انه في آخر الزمان حين يكثر الهرج والمرج يخرج من نسل الرسول صلى الله عليه وسلم رجل يحكم الناس بالحق والعدل، فيورد معاوية بن قرة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه حتى تضيق عليهم الأرض الرحبة، وحتى يملأ الأرض جورا وظلما لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم فيبعث الله عز وجل رجلا من عترتي فيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض لا تدخر الأرض من بذرها شيئا إلا أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئا إلا صبه الله عليهم مدرارا يعيش فيها سبع سنين أو ثمان أو تسع تتمنى الأحياء الأموات مما صنع الله عز وجل بأهل الأرض من خيره، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه}

كما تشير الأدلة من الكتاب والسنة الى نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، ففي رواية النواس بن سمعان في صحيح مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة أنه صلى اللـه عليه وسلم قال: «ينزل عيسى عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين»... يتوجه نبى اللـه عيسى من دمشق إلى بيت المقدس، وقد أقيمت الصلاة فإذا رأى الإمام الفطن الذكى اللبق نبي اللـه عيسى عرفه وتقهقر للخلف ليتقدم نبي الله عيسى فيقول له نبي اللـه: لك أقيمت فإن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللـه لهذه الأمة فيصلي نبي اللـه عيسى خلف إمام المسلمين، فإذا انتهوا من الصلاة انطلق نبي اللـه عيسى إلى باب بيت المقدس وأمرهم أن يفتحوا الباب، فإذا فتحوا الباب رأوا الدجال خلف الباب ومعه سبعون ألف من اليهود بالسيوف فإذا نظر الدجال إلى نبي اللـه عيسى ذاب كما يذوب الملح في الماء، فيريد الدجال أن يهرب فيتبعه نبي الله عيسى ويدركه عند باب لد مدينة معروفة الآن بفلسطين فيقتله، ويريح الناس من شره.


(1) عابد الجابري، محمد، العصبية والدولة، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثامنة بيروت مارس 2007، ص158.


* فنان تشكيلي كويتي

[email protected]