رأي نفطي

النفط خارج السيطرة

29 ديسمبر 2025 10:00 م

على الرغم من المقاطعة الأميركية المفروضة على صادرات النفط الإيرانية والفنزويلية والروسية، فإن أسعار النفط العالمية لاتزال ضعيفة ولم تتجاوز حاجز السبعين دولاراً للبرميل، في حين يستقر سعر خام برنت حول مستوى الستين دولاراً للبرميل. ويثير هذا الواقع تساؤلات عديدة حول أسباب هذا التراجع، لاسيما في ظل الصمت اللافت لمنظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، التي لم تعلن عن عقد اجتماع طارئ، ولم تصدر أي تعليق رسمي يفسر هذا الانخفاض الحاد والمؤلم في أسعار النفط، رغم كونه المصدر الرئيس لتمويل ميزانيات معظم الدول المنتجة والمصدرة، وخاصة دول أوبك.

ويظل السؤال مطروحاً حول المدة التي سيستمر فيها هذا التراجع، وما إذا كانت هناك نية لعقد اجتماع قريب لمناقشة الوضع، أم أن المنظمة تخلت عن دورها التاريخي في البحث عن سعر عادل ومناسب لبرميل النفط، وتركت زمام الأمور لمنتجين آخرين، وعلى رأسهم منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة الأميركية. فاليوم، أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم، بإنتاج يقارب 13.7 مليون برميل يومياً، الأمر الذي جعل أي خفض في إنتاج أوبك يصب في مصلحة المنتجين من خارج المنظمة، ويؤدي إلى تآكل حصتها السوقية.

ولهذا السبب، يبدو أن أوبك تلتزم الصمت وتفضل عدم التدخل أو الإعلان عن نطاق سعري مستهدف، إذ إن أي تحرك منها قد يمنح المنتج الأميركي فرصة لزيادة إنتاجه تحت مظلة استقرار السوق الذي تسعى المنظمة للحفاظ عليه. وقد أثبتت التجارب السابقة أن خفض الإنتاج لم يؤدِّ بالضرورة إلى رفع الأسعار، بل أسهم في فقدان المنظمة جزءاً من حصتها لصالح منتجين آخرين.

كما أن وفرة المعروض في الأسواق النفطية وتراكم المخزونات، إلى جانب ضعف الطلب العالمي، أسهمت بشكل مباشر في استمرار تراجع الأسعار. فعلى الرغم من العقوبات الأميركية على النفط الإيراني والفنزويلي والروسي، لم تشهد الأسواق ارتفاعاً في الأسعار، بل على العكس، انخفضت أسعار النفط الخام الأميركي وخام برنت، ما يدل على وجود كميات وفيرة قادرة على سد أي نقص محتمل في الإمدادات. هذا الواقع دفع أوبك إلى ترك الأسواق النفطية تعمل وفق آلية العرض والطلب دون تدخل مباشر.

وفي السنوات الأخيرة، فقدت أوبك جزءاً من نفوذها وحصتها السوقية لصالح منتجين جدد مثل الولايات المتحدة والبرازيل، اللتين نجحتا في اختراق الأسواق الآسيوية بقوة، مستفيدتين من نفوذهما السياسي وأسعارهما التنافسية، إضافة إلى اعتماد أساليب بديلة في التبادل التجاري. وفي المقابل، تعاني بعض دول أوبك من محدودية الخيارات، إذ تقتصر صادراتها على النفط ومشتقاته دون امتلاك سلع أخرى قادرة على تعزيز قدرتها التنافسية.

وتشير التوقعات إلى أن أسعار النفط قد تظل ضعيفة خلال العام المقبل، مع صعوبة تجاوز مستوى الستين دولاراً للبرميل، واحتمال عدم الوصول حتى إلى مستوى السبعين دولاراً. ويعني ذلك تراجعاً أكبر في الإيرادات النفطية لدول أوبك، ما قد يدفع بعضها إلى اللجوء للاقتراض من البنوك بضمان الاحتياطات والمخزون النفطي. وتشير المعطيات الحالية إلى أن سعر البرميل قد يستقر عند نحو 61 دولاراً، أي أقل بنحو ثلاثين دولاراً من السعر التعادلي المطلوب لتحقيق التوازن في ميزانيات العديد من الدول مع نهاية السنة المالية في مارس 2026، ومن الصعب في ظل هذه الظروف توقع وصول الأسعار إلى مستوى تسعين دولاراً للبرميل.

وفي ضوء هذه المعطيات، يمكن القول إن سوق النفط بات خارج نطاق سيطرة منظمة أوبك، وإن ترك تحديد الأسعار أصبح بيد المنتجين من خارج المنظمة وآليات السوق العالمية، الأمر الذي يفرض تحديات كبيرة على مستقبل دور أوبك وقدرتها على حماية مصالح أعضائها في المرحلة المقبلة.

كاتب ومحلل نفطي مستقل

[email protected]